الجيش المصري

يسطر أبناء القوات المسلحة بطولات عدة خلال حربهم على الإرهاب، حيث تشهد «أرض الفيروز» عمليات مستمرة لمواجهة العناصر الإرهابية في شتى البقاع، وخصوصًا في وسط سيناء، في مشاهد شجاعة يعزف فيها القادة والجنود وضباط الصف ألحان العزة والكرامة للحفاظ على أمن الوطن، وتطهيره من كل مريدي الفوضى والتخريب.

ولم تقتصر عمليات القوات بنطاق الجيش الثالث الميداني في المنطقة الأولى المتاخمة للضفة الشرقية لقناة السويس وحتى مناطق العمليات، والتي تنتشر بها القوات لتمشيط كل الطرق والدروب والمدقات والمناطق الجبلية لتوقيف أي عناصر إرهابية أو العناصر المتعاونة معها أو الفارة من مناطق الاشتباكات ومنعها من إعادة تمركزها بتلك المنطقة مع غلق كل الدروب والمدقات المؤدية إلى جنوب سيناء.

وتمتد العمليات في المنطقة الثانية حتى خط الحدود الدولية، وتوجد بها قوات قائمة على تمشيط المناطق الجبلية بوسط سيناء وتدمير كل ما يمثل بنية تحتية للعناصر التكفيرية خاصة داخل المناطق الجبلية، فضلًا عن فحص الأفراد بالقرى والمدن السكنية للتأكد من سلامة موقفهم وتحويل المشتبه بهم إلى الجهات الأمنية المختصة، بجانب القوات القائمة بمهاجمة البؤر الإرهابية المرصودة بناء على معلومات مخابراتية مؤكدة بشأن تواجد العناصر الإرهابية بها.

وتتم العمليات من خلال تطويق البؤر الإرهابية لمنع أي تسلل للعناصر الإرهابية من وإلى مناطق تواجدها ثم مداهمتها بواسطة القوات البرية وتعاون أعمال قتالها القوات الجوية طبقًا للموقف وتأمين كل طرق الاقتراب من وإلى المناطق الجبلية، فضلًا عن تواجد قوات التأمين المكلفة بتنفيذ الدوريات والكمائن المدبرة وغير المدبرة على الطرق والمحاور الرئيسية في وسط سيناء.

«الشروق» كانت حاضرة على مدى 10 أيام بين مقاتلي الجيش الثالث الميداني في منطقة وسط سيناء، لتكون شاهدة على عمليات المداهمة التي تنفذها القوات على مدى اليوم، والتي أسفرت إحداها عن القضاء على واحد من أخطر الإرهابيين، وهو ناصر أبو زقول، أمير تنظيم ولاية سيناء الإرهابي لمنطقة وسط سيناء، بعد تبادل كثيف لإطلاق النيران، حيث عثر بحوزته كمية من الأسلحة والذخائر وأجهزة الاتصال اللاسلكي.

ومع أول ضوء نهار يوم الثامن عشر من أبريل الماضي، شهدت منطقة وسط سيناء في نطاق عمليات الجيش الثالث الميداني بقيادة اللواء أركان حرب محمد رأفت الدش، الإعلان عن واحدة من أهم عمليات المداهمة التي تمكنت فيها القوات المسلحة من القضاء على واحد من أخطر العناصر التكفيرية، ومعه اثنان من معاونيه بعد حصار دام ثلاثة أيام.

واستمرارًا لجهود القوات المسلحة في إحكام السيطرة على مناطق مكافحة النشاط الإرهابي، في وسط سيناء، ونتيجة لأعمال المداهمات لأبطال ومقاتلي الجيش المصري، وصلت معلومات استخباراتية دقيقة عن مكان اختباء أمير التنظيم، وبصحبته اثنان من معاونيه، وعلى الفور صدرت التعليمات بالتجهيز لمداهمة المنطقة الجبلية الوعرة التي يختبئ فيها الإرهابي، بعد تحديد الإحداثيات.

وفي الخامس عشر من أبريل وصلت معلومات استخباراتية دقيقة للغاية تكشف وجود آثار معيشية لثلاثة أفراد في إحدى المناطق الجبلية، فتم تبليغ غرفة العمليات المركزية بالمعلومات، والتي تعاملت معها بالجدية اللازمة للتأكد منها.

فعقب ورود المعلومات صدرت الأوامر ببدء عمليات الاستطلاع للتأكد منها، بالتعاون مع قصاصي الأثر من بدو سيناء المتعاونين مع القوات المسلحة، وبناء عليه تحركت عناصر الاستطلاع بحسب الخريطة الاستخباراتية المعلوماتية التي تمتلكها القوات المسلحة، وبها أسماء الإرهابيين وأماكن اختبائهم وقادتهم وأنواع الأسلحة التي يمتلكونها، ويأتي ذلك من خلال التعاون الكامل من أهالي سيناء الشرفاء.

وبعد أن وصلت عناصر الاستطلاع إلى الموقع المحدد وفق الإحداثيات التي حصلت عليها بدأت تشكيل فرق البحث التي عثرت بدورها على بقايا إعاشة متمثلة في فضلات طعام ومياه وأثار نيران كان يستخدمها الإرهابيون في التدفئة، وأثار أقدام تخص ثلاثة أفراد اتضح من تتبعها أنهم اختبئوا في أحد الوديان، تم تبليغ القيادة المركزية بالمعلومات والإحداثيات الجديدة.

«المشهد الثاني»
ومع شروق نهار يوم 16 أبريل، وتحديدًا في السادسة صباحًا كانت قوات المداهمة التابعة للجيش الثالث الميداني تستعد للتحرك من مركز العمليات، نحو الهدف المحدد، وبدأ قائد مجموعة المداهمة إطلاع جنوده على طبيعة المهمة وخطورة الأفراد المتوجهين لضبطهم وتأكيد بضرورة تنفيذ المهمة على أكمل وجه.

وتحركت القوات إلى الإحداثيات الجديدة التي حددتها عناصر الاستطلاع وفور الوصول إلى موقع اختباء أبو زقول ومعاونيه، انتشرت القوات في تشكيلات لمحاصرة الموقع الواقع داخل إحدى المناطق الجبلية شديدة الوعورة، واستمرت في تضييق الحصار حتى وصل إلى مساحة 4 كيلو مترات مربع، ووقعت اشتباكات وتبادل إطلاق نار مع الإرهابيين في محاولة منهم للهرب ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك بسبب تضييق القوات الخناق عليهم وقطع أي طرق إمداد لوجيستي لهم والتشويش على وسائل الاتصالات في هذه البؤرة، وطالبتهم بالاستسلام أكثر من مرة.

«المشهد الثالث»
وفي صباح اليوم الثالث 17 أبريل، سادت حالة من التأهب داخل أحد مراكز العمليات بوسط سيناء استعدادًا لتحرك قوات إضافية إلى موقع الحصار، وبحركات سريعة منضبطة مع أقصى درجات اليقظة والحذر والاستعداد للقتال بدأ الجنود في التجهيز للمداهمة، وقبل التحرك من مركز العمليات اجتمع القائد مع الجنود وتلا عليهم التعليمات وبث فيهم روح العزيمة والقتال، ثم انصرف الجميع كل إلى مركبته استعدادًا للتحرك، في مشهد سيطر على نظرات الجنود خلال مشاهد التحدي والثأر لكل الشهداء.

وفور وصول القوات إلى موقع الحصار في الساعة الحادية عشر والنصف صباحًا، طالبت القوات الإرهابيين بالاستسلام وترك أسلحتهم بعيدًا، مؤكدين أن لا سبيل للفرار أو المقاومة، وتبادلت القوات إطلاق النيران مع الإرهابي ومرافقيه بعد رفضهم الاستسلام أكثر من مرة، وبدأت القوات مطاردتهم بإطلاق طلقات تحذيرية لإجبارهم على الاستسلام، إلا أنهم لم يستجيبوا، فبدأت القوات التعامل مع مرافقي الإرهابي أبو زقول، تمهيدا لقتله، حيث كانوا يحاولون حمايته وتهريبه أولًا.

ورغم ذلك فالأحداث سارت على وجه مخالف حيث نجح أحد أبطال الصاعقة في توجيه طلقات مباشرة إلى أبو زقول والقضاء عليه قبل تصفية مرافقيه. وطاردت القوات باقي العناصر بين البؤر والوديان وتمكنت من قتلهما، وسط تعالي صيحات التكبير ونداءات «تحيا مصر» في تمام الساعة 3:30 عصرًا لتبشر بالقضاء على أبو زقول ومعاونيه.

وشرح أحد قادة العملية، تفاصيل العملية، قائلًا «القوات المسلحة رصدت تحركات أبو زقول منذ فترة وحددت موقعه، ووقت تنفيذ العملية كان مدروسًا وتم تنفيذه في الوقت المناسب، وفكرة الحصار كانت مدروسة ولها عدة أهداف»، مضيفًا «تدل عملية القضاء على أمير التنظيم الإرهابي أن القوات المسلحة لديها معلومات دقيقة عن جميع القيادات الإرهابية وأتباعهم في مختلف البؤر".

وتابع القائد «أن فكرة استهداف قيادات التنظيم، يؤكد اقتراب القوات المسلحة من إنجاز المهمة بشكل كبير، وفقدان التنظيمات الإرهابية اتزانها بعد مقتل أميرها عادة، لا سيما أنه كان يستطيع تحريك جميع المعاونين له بمجرد تلقي الأوامر الخارجية بتنفيذ العمليات الإرهابية».

ويعد ناصر أبو زقول أحد أخطر عناصر التنظيم الإرهابي في وسط سيناء، وكان مسؤولًا عن عمليات تفجير ومهاجمة أهداف ومنشآت عسكرية وأمنية خلال الأعوام الماضية، كما أنه شارك في تفجيرات دهب عام 2005 وراح ضحيتها أكثر من 80 قتيلًا من جنسيات مختلفة، حيث تولى إخفاء قائد جماعة التوحيد والجهاد والعقل المدبر والمخطط الرئيسي للتفجيرات، وهو الإرهابي القيادي نصر خميس الملاحي، وفقًا لمذكرة تحريات مباحث أمن الدولة حول تنظيم التوحيد والجهاد وقتها، وتم الحكم عليه بعشرة أعوام سجن، لكنه استطاع الهروب أثناء اقتحام السجون إبان ثورة 25 يناير عام 2011.

ووفق تحليلات لبعض قادة العملية العسكرية، فإن مقتل أبو زقول، أمير التنظيم في وسط سيناء يؤدي إلى خفض الروح المعنوية لباقي أعضاء التنظيم في الداخل والخارج، علاوة على فقدان التوازن والتوقف عن أي أفكار مستقبلية من الممكن أن يخططوا لها في هذه الفترة.
وأكدوا أن هذا سيؤدي إلى انشقاقات داخلية بين أفراد الجماعة لرغبة كل فرد فيهم لتولي منصب أمير التنظيم، فضلًا عن إثارة الشكوك بين أعضاء التنظيم على أساس أن مكان اختباء أمير التنظيم لم يعلمه أحد غير مجموعة صغيرة جدًا منهم والتي تجعلهم يخونون بعضهم البعض حيث يعتقدون أنه هناك من أبلغ عن مكان اختبائه