القاهرة – أحمد عبدالله
روائح نفاذة تتصاعد بمجرد الدخول لأبواب المدابغ، تعلن عن وجود خلية نحل تعمل لتُنهى ما لديها استعدادًا لاستقبال جلود الأضاحي، رغم أنها تفتقد الكفاءة بحكم أن معظم من يقوم بسلخها من غير المحترفين، إلا أنه يتم بيعها على سبيل كونها درجة أقل كفاءة من المذبوح داخل السلخانات.
وقامت صحيفة "الأهرام" المصرية العريقة، في عددها الصادر، السبت، بتحقيق لافت طاف بالقراء في عالم وثيق الصلة في مصر بعيد الأضحي، حيث ألقت الصحيفة الضوء على هذا العالم، ففي بداية الجولة في المدابغ، التقت صاحب إحدى المدابغ، المهندس عبدالرحمن الجباس، الذي قال إن أسعار الجلود انخفضت خلال الأيام القليلة الماضية بمعدل 20% تقريبًا وذلك بسبب كثرة المعروض، إضافة إلى انخفاض نسبي في كفاءة الجلد نتيجة لرداءة السلخ الذي يتم خارج السلخانة.
وأضاف الجباس، أن الجزارين ينقسمون إلى قسمين أو بمعنى أدق تخصصين، فالأول موجود في محال الجزارة ويأتي له اللحم من السلخانة مشفى ومقطعًا للبيع، وهو قطعًا لا يجيد السلخ، والثاني هم جزارو السلخانات الذين يقومون بذبح الحيوان وسلخه وتجويفه وتنصيفه أي تقسيمه إلى نصفين، وهذا ما يحدث في المعتاد، ولكن في العيد يأتي النوع الأول من الجزارين وهي ليست مهنتهم ويقومون بسلخ الجلد ثم يتم تمليحه، ويأتي لنا في المدابغ إلا أنهم يتسببون في قطوع كثيرة في الجلد فتخفض سعره وكفاءته ويصنف بدرجات أقل، لأنه يهدر الكثير أو يصيبه بما يسمى "الفلة"، وهي قطع غير مرئية في ظهر الجلد لأنه لم يصل للوجه الآخر، لذلك يكون قطع السكين غير واضح، مما يضعف أيضًا كفاءة الجلد .
وتابع الجباس: "عندما يصل إلينا الجلد يتم فرزه ويقسم إلى "عيادي"، أي مذبوح في العيد خارج السلخانة وهو قليل الكفاءة، أما التصنيف الثاني فهو سلخانات ويكون عالي الجودة"، مضيفًا أن أسعار الجلود ترتفع وتنخفض وفقًا لبورصة الجلود العالمية للجلد الخام، وهي غير مرتبطة نهائيًا بالسوق المحلية أو بالمستهلك المصري .
وأردف الجباس: "فهناك مثلًا أفراد يرددون أنه كيف يكون الجلود الصيني من أحذية وغيرها تأتي لنا رخيصة ونصدر نحن الجلود بأسعار أغلى والرد بسيط، لأنه ليس لهذا علاقة بذاك، فما يأتي لنا من الصين ما هو إلا جلود صناعية "سكاي" أما ما نصدره نحن فهو جلود طبيعية والمستهلك المصري لا يستطيع التفرقة بين هذا وذاك، أي أنه لا يميزها، لا سيما أن أي حقيبة أو حذاء من المفترض أن يكون مكتوبًا عليه مكوناته وخاصة على القطع المصنوعة من الجلد الطبيعي" .
وواصل الجباس: "إن مدخلات الانتاج للدباغة زادت خلال العام الماضي أكثر من 30%، بسبب تعويم الجنيه وتلك المدخلات من مواد كيميائية وغيرها تمثل من 60 إلى 70% من مدخلات الإنتاج، والتي تتسبب في رائحة الجلد الطبيعي المميزة بتلك المواد الكيميائية، والتي تستخدم في معالجته والباقي ضرائب وأجور عمال وصيانة".
واستكمل الجباس: "أما بالنسبة للمفقود في جلد العيد فيتراوح ما بين 1 و2 %، أما الباقي فيباع بسعره على اعتبار أنه أقل درجة، ويستخدمه صناع الجلود الطبيعية في البطانات وما شابه ذلك"، متابعًا أن العمل عادة في المدابغ طول العام يكون وردية واحدة من 8 إلى 10 ساعات تتخللها ساعة راحة، أما في أيام عيد الأضحى فيكون ورديتين بنفس عدد ساعات العمل، أي أن العمل يتضاعف، وهناك نوعان من العمال أحدهما باليومية وهم عمال المناولة، والآخر بالقطعة وهم دباغو الجلود ومن يتعاملون في شد الجلد وغيره".
ومن جانبه، أكد أحد أصحاب ورش دباغة الجلود، أن "العمل يجري خلال موسم العيد طوال 24 ساعة، ولكن لدينا أزمة في مناطق الورش الجديدة بسبب قطع المياه بعد الساعة الرابعة عصرًا وانقطاع الكهرباء أحيانًا"، مشيرًا إلى أن أسعار الجلود انخفضت عن العام الماضي تقريبًا 50 جنيهًا في سعر القطعة الواحدة، حيث يجمعه الجلادون من القرى والمحافظات ويأتي لنا طازجًا، وبالنسبة للتصدير فارتفاع سعر الدولار لدينا يجعل المستوردين "الأجانب" يلجأون لدول أخرى أرخص في الأسواق العالمية، رغم أن المنتج المصري أعلى منتج عالميًا"، مضيفًا "أما بالنسبة لموسم عيد الأضحى فيكون شغلنا الشاغل أيام العيد هو تسلم الجلود ثم بعد ذلك يتضاعف العمل لأنها قد تتعرض للتلف نتيجة لارتفاع درجة الحرارة هذه الأيام" .
بينما يشكو أحد أصحاب المدابغ من انعدام تواصل غرفة صناعة الجلود في الغرفة التجارية مع صغار التجار من أصحاب المدابغ، "وإذا ذهبنا للاستفسار عن أي شيء نجد إجابات مبهمة وردًا واحدًا هو أن مثلنا مثلكم لا نعرف شيئًا، ولا نعرف إذن لمن نلجأ" .
أما المشكلة الأخرى فهي أجور العمال التي زادت بنسبة 50 % نتيجة نقل المدابغ لتعويضهم عن أماكن المبيت والطعام وغيرها، ومن المتوقع مضاعفتها بعد النقل الكلي للمدابغ، أما عن أسعار الجلود فيقول إنها تبدأ من 450 جنيهًا للجاموسي و650 للبقري.
فيما أوضح أحد أصحاب المدابغ أن "صناع الجلود الطبيعية في مصر دائمًا يتبادلون معنا الاتهام بالمبالغة في السعر، وخاصة إذا أثيرت قضية أن المنتج الطبيعي من الجلد الطبيعي المصري أغلى كثيرًا من منافسه المستورد، وأنهم يجدون صعوبة كبيرة في تصدير منتجهم النهائي، فيتم إلقاء التهمة علينا بأننا نبيع لهم الجلد الطبيعي بأسعار أغلى، ولكن الحقيقة أن هذه الصناعة ما زالت تعتمد كليًا على التصنيع اليدوي قليل الإنتاج، وما زالت متمسكة بتلك التقنية اليدوية في كل شيء، بعكس ما يحدث في الخارج فالآلة تقوم بكل شيء، حيث يتم التفصيل بالليزر والكمبيوتر فيكون الإنتاج أكثر، فيضع على القطع هامش ربح أقل لأن عدد المنتج أكبر، إذن صناع الجلود في مصر بحاجة إلى تطوير الفكر لإحضار مصنع آلي، لا سيما أن أكثر من 95 % من هذه الصناعة ما زال يتم بالطريقة اليدوية".
من ناحية أخرى، أشار العمال إلى أن لديهم مشكلة في توافر الخدمة الصحية فلا توجد مستشفى قريب لإنقاذهم إذا حدث شىء أو سيارات إسعاف وغيرها، وهذا ما يسبب قلقًا على صحتهم بشكل عام.