رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق يصافح أنصاره لدى وصوله إحدى الفعاليات في كوالالمبور

صعَّدت الحكومة الماليزية من حملتها المتزايدة الثقيلة لتكميم أفواه المعارضة وصرف الأنظار عن فضيحة التمويل ومزاعم فساد تهز عرش إدارته؛ ففي وقتٍ سابق من الأسبوع الجاري، رحَّلت اثنين من الصحافيين الأستراليين الذين حاولوا سؤال رئيس الوزراء المحاصر نجيب عبدالرزاق بشأن مبالغ مالي قدره 680 مليون إسترليني في حسابه البنكي، وأغلقت

واعتقلت السلطات في ماليزيا المراسل والمصور من هيئة الإذاعة الأسترالية، مع التهديد بتوجيه الاتهامات إليهما؛ بعد تعرضهما للزعيم الماليزي في مناسبة عامة دعيت إليها وسائل الإعلام، كما تم إغلاق موقع "ماليزيا إنسيدر" أخيرًا والمعروف بانتقاده الصريح لرئيس الوزراء، بعد أيامٍ قليلة من تعليق الحكومة أعماله، بينما واجه الصحافيين في "أيه.بي.سي" لينتون بيسير ولوي إيروغلو اتهامات بـ"عرقلة مسؤول عمومي" بعد محاولتهما المزعومة الاقتراب بعنف من رئيس الوزراء، ولكن الرجلين أنكرا اجتياز خطوط الأمن، وتم طردهما بصورة مفاجأة إلى خارج البلاد، وعرضت لقطات فيديو من قِبل "أيه.بي.سي" في أعقاب الإفراج عنهما للتأكيد أنهما قاما فقط بطرح الأسئلة على نجيب عن مئات الملايين من الدولارات في حسابه.

وسار رئيس الوزراء متجهم الوجه ولكن الرد الذي جاء من الحرس الخاص به أثار مزيدًا من الاهتمام بالفضيحة التي أحاطت به لعدة أشهر، وقال نائب مدير مؤسسة "هيومن رايتس ووتش" في آسيا، فيل روبرتسون، إن رد الفعل غير المحسوب في القبض على الصحافيين يوضح بشكل لا يصدق أن السلطات مستعدة للذهاب من أجل حماية رئيس الوزراء نجيب من أي نوع من الأسئلة الصعبة بشأن تصرفاته.

ومن المخجل أن الحكومة الماليزية على ما يبدو تسعى بالفعل إلى تمزيق سمعة البلاد كدولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان؛ لحماية رجل واحد من ادعاءاتٍ خطيرة حول ارتكابه مخالفات، وأنكر نجيب باستمرار ارتكاب أيّة مخالفات أو تحقيق مكاسب شخصية على خلفية المبلغ المالي بقيمة 680 مليون دولار، كما تمت تبرئته من قبل المدعي العام بعدما خلص إلى أن المال كان بمثابة منحة سياسية من العائلة المالكة في السعودية.

وأثير لغز هذه المدفوعات أثناء التحقيقات في صندوق استثمار الدولة المثقل بالديون والذي أسسه نجيب ويشرف عليه رئيسًا للمجلس الاستشاري، كما أنكر رئيس أي تصرف غير لائق له علاقة بالصندوق، ومع تبريراتٍ رسمية لتخفيف حدة الانتقادات، فقد تصاعدت مشاكل نجيب في الأيام الأخيرة، بينما جاءت الحملة الإعلامية التي أطلقها أنصاره عبر مواقع التواصل الاجتماعي للإعلان عن دعمهم للزعيم المحاصر بنتائج عكسية سيئة.

وفي بريطانيا، أطلق الطلاب الماليزيون حملة للمطالبة بإزالة صورة نجيب من جدار الحرم الجامعي في جامعة نوتنغهام، التي تخرج فيها بعد دراسة الاقتصاد الصناعي العام 1974، بينما في موطنه، قام مهاتير محمد الذي شغل لفترة طويلة منصب رئيس الوزراء في السابق بإطلاق حملة مع المعارضة الماليزية للإطاحة به، وغضب رئيس الوزراء الماليزي من تلك المبادرة الجديدة التي تبناها خصومه السياسيون القدامى، وهو ما جعل المتحدث الرسمي يخرج ليعلن أن الجهود الرامية لإسقاط الحكومة المنتخبة ديمقراطياً كانت مخالفة للقانون والدستور، ولكن التحدي الأكبر أمام نجيب في الوقت الحالي يتمثل في التطورات المتسارعة بشأن العدد المتزايد من التحقيقات الأجنبية في موازنة صندوق "أم.دي.بي1"، والذي ينكر نجيب باستمرار قيامه بارتكاب أيّة مخالفات بشأنه.

وتبين الأسبوع الماضي أن المحققين الفيدراليين في أميركا أصدروا مذكرة استدعاء لتيم ليسنر، وغولدمان ساكس، وكان ليسنر قد عاد إلى الولايات المتحدة نهاية العام الماضي من أجل الإجازة الشخصية، ثم غادر بعدها الشركة هذا الشهر، وكان مسؤولاً عن عمليات عملاقة في وول ستريت في ماليزيا عندما قدم مشورة للصندوق على سلسلة من الصفقات المربحة، ويسعى مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل في الوقت الحالي إلى التحدث معه في الوقت الذي يتم فيه جمع معلومات عن دور ساكس كجزء من التحقيق في تمويل الصندوق، وخلال فترة وجودهما في المنطقة، بات ليسنر وزوجته كيمورا لي سيمونز مصممة الأزياء والعارضة السابقة مقربين من نجيب وزوجته روزما منصور.

وأشارت التقارير إلى أن لو تايك جو الذي يشتهر باستهتاره في إنفاق المال يعد صديقًا مقربًا للعائلة الأولى في ماليزيا، وبدأ في أوائل العقد الثاني من عمره في استثمار الأموال ليس فقط على الحياة الليلية الصاخبة، وإنما أيضًا من أجل جذب الانتباه في سوق العقارات وروائع الفن، ومن المرجح أن يكون المشتري للوحة بيكاسو "نساء الجزائر" في أيار / مايو الماضي مقابل ما لا يقل عن 141 مليون دولار، لتكون أغلى لوحة تم شراؤها خلال مزاد، وأصرّ لو على أنه لم يتصرف بشكل غير صحيح، فيما ذكر المتحدث باسمه العام الماضي أنه ساهم في تأسيس صندوق "أم.دي.بي1"، ولكنه أنكر التقارير الذي قالت إنه تصرف كمستشار غير رسمي للصندوق، حيث أنه جمع ثروته كمستثمر.

وساهم ابن زوجة ريزا عزيز في تمويل فيلم "ذئب وول ستريت" من بطولة ليوناردو دي كابريو الذي ظهر في دورالمحتال المالي عديم الضمير، وأصدرت شركته للإنتاج بيانًا أوضحت فيه أنها لم تشارك في أيّة أنشطة غير لائقة، بعدما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يبحث في تمويل الشركة، ولم تقتصر التحقيقات في الصندوق الذي أسَّسه نجيب العام 2009 على الولايات المتحدة، حيث ذكر ممثلو الادعاء في سويسرا الشهر الماضي أنهم يعتقدون سرقة مبلغ 4 مليارات دولار من الشركات المملوكة للدولة الماليزية في التمويل الذي كان مخصصًا لمشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما تحقق أيضاً بريطانيا وهونغ كونغ والسلطات السنغافورية في أنشطة الصندوق.

وتتابع فرنسا عبر مسؤوليها في تحقيق منفصل المزاعم بدفع رشاوى في صفقة الغواصات المربحة عندما شغل نجيب منصب وزير الدفاع، كما سلط  ذلك التحقيق الضوء على أكثر الحلقات المخلة في التاريخ الماليزي الحديث، وهي مقتل العارضة المنغولية العام 2006 والتي كانت صديقة نجيب واشتركت معه في صفقة الغواصات، وواجه اثنين من فريق الحراسة في الحكومة، أحدهما كان مكلفًا بحماية نجيب في إحدى الأيام اتهامات بقتلها وتفجير جسدها بالمتفجرات، وسط تكهنات بأنها كانت تهدد بالخروج إلى العلن والكشف عن حقيقة هذه المزاعم، إلا أن نجيب أنكر تورطه في مزاعم الرشوة، ولكن التحقيق الفرنسي يقدم تحدياً آخرًا في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من التدهور الاقتصادي الحاد.

وكان رئيس الوزراء يأمل بتهدئة الشكوك الشهر الماضي عندما تمت تبرئته من قبل المدعي العام من ارتكاب أيّة مخالفات على خلفيه المبالغ المالية بقيمة 680 مليون دولار، التي وجدت في حساباته المصرفية أثناء التحقيق في صندوق "أم.دي.بي1"، إلا أن التبريرات بكون هذه المبالغ منحة من المملكة العربية السعودية لم تجدِ.

وأصبح الدكتور مهاتير محمد ناقدًا شرسًا على نحو متزايد لنجيب مع التطورات المتلاحقة في الفضيحة المالية، كما يخوض في الوقت الحالي مهمة انتحارية بحسب ما صرح به مراقب سياسي من أجل الإطاحة برئيس الوزراء، وأبدى الدكتور مهاتير استعداده لمشاركة أي شخص في هدف التخلص من نجيب رزاق كرئيسًا للوزراء من أجل إنهاء الفساد الذي تعاني منه ماليزيا، وأصبح الحزب الأداة المخصصة لدعم نجيب والإبقاء عليه في السلطة، على الرغم من الأشياء الخطأ  التي يقوم بها، ومن ثم بات بقاء مهاتير عضواً في الحزب عائقاً أمام ما يحتاج أن يفعله، وأشار مهاتير إلى أن هناك أشخاصًا يجلسون معه ويعرضون تأييدهم له، طالبين منه أن يؤدِ واجبه لأن رئيس الوزراء يعمل على تدمير البلاد.

ووصف شقيق نجيب بنفسه هذا المشهد بالحرب الضروس، حيث يتحد الخصوم والحلفاء السابقين في الصراع على العروش، وحافظ رئيس الوزراء على قبضته الصارمة على السلطة منذ بدأت الفضيحة عن طريق استبعاد النقاد من مجلس الوزراء وتضييق الخناق على المعارضة من وسائل الإعلام والأكاديميين.