وزارة الآثار المصرية

بات مسجد الظاهر بيبرس في القاهرة على موعد جديد لاستعادة أمجاده وتألقه الأثري والمعماري، بعدما تعرّض لسنوات عجاف، عانى فيها من توقف أعمال الترميم وتدهور حالته الإنشائية، كانت جدرانه العتيقة تزين ميدان حي الظّاهر في وسط مدينة القاهرة، وتضفي إليه مزيدًا من التراث والتاريخ.

 و شرعت وزارة الآثار المصرية في إعادة ترميمه مرة أخرى بعد توقف أعمال تطويره في العام 2011، بتكلفة تصل إلى 100 مليون جنيه مصري "

ويعدّ مسجد الظاهر بيبرس الذي بدأت أعمال إنشائه سنة 1266، أحد أهم معالم القاهرة الإسلامية، وواحدًا من أبرز المساجد الباقية من العهد المملوكي. وقام الدكتور خالد العناني، وزير الآثار، بعمل جولة تفقدية لمتابعة أعمال الترميم بالمسجد التاريخية تمهيدًا  لافتتاحه خلال الشهور المقبلة.

ويعتبر الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، رابع سلاطين الدولة المملوكية، ويعتبره بعض المؤرخين مؤسسها الحقيقي، وكان في الأصل مملوكًا عند السلطان الأيوبي الصالح أيوب، أثناء وجوده في دمشق، وأطلق عليه حينها "ركن الدين" وبعد وصوله للحكم لقب نفسه بالملك الظاهر. وعلى الرّغم من انهيار بعض أجزاء المسجد بسبب العوامل الجوية على مدار القرون الماضية، فإنّ كثيرا من تفاصيله الزخرفية سواء الجصية منها أو المحفورة في الحجر ما زالت تحتفظ برونقها حتى الآن بجانب الجدران التاريخية المميزة. ويتألف المسجد من صحن مكشوف يحيط به أروقة أربعة، أكبرها رواق القبلة.

و تتولى شركة المقاولين العرب مسؤولية ترميم المسجد، حيث قامت بإزالة الحشائش الموجودة به، بجانب تصفية ممرات المياه الجوفية، واستبدال الطوب الطفلي بالطوب الوردي الموجود في أعمدة الرواق، للحفاظ على شكله الأثري. ويجري حالياً تقوية أساسات الأعمدة والمنبر، مع عمل ترميم دقيق لبعض المناطق به، حيث ستُفصّل بعض القطع للمسجد خصيصًا، للوصول إلى الشّكل الأصلي والأثري له. وفق ما ذكره مسؤولو وزارة الآثار المصرية.

و يحتاج المسجد إلى أكثر من عام ونصف العام للانتهاء من عملية ترميمه بشكل كامل ولإعادة افتتاحه أمام المصلين والجمهور والسّياح مرة أخرى.

و قال أرمان إيساجالييف سفير كازخستان لدى مصر إنّ بلاده دعمت ترميم المسجد بنحو 4 ونصف مليون دولار، لأن أصول الملك الظاهر بيبرس تعود إلى دولة كازاخستان.

 وأضاف أرمان خلال جولته التفقدية لأعمال الترميم في المسجد بصحبة وزير الآثار المصرية، أن دولته حكومة وشعبا سعداء وفخورون بترميم مسجد الظاهر بيبرس، نظرًا لما تمثله هذه الشّخصية التاريخية للبلدين والإسلام.

 ولُقّب صاحب المسجد بـ"الملك الظاهر" بعدما حقّق نصرًا كبيرًا على الصليبيين والتتار، وكان له دور كبير في انتصار المسلمين في معركة "عين جالوت" الشهيرة، وهو يعد أحد أبطالها البارزين. عرف عنه تقربه إلى العامة والخاصة فقرب إليه كبار الأمراء ورجال الدولة، ومنحهم الألقاب والإقطاعيات.

 وقال وزير الآثار الدكتور خالد العناني، إن الوزارة ستعمل على إنجاز المشروع بالصورة التي تليق بالقيمة التاريخية والدينية والفنية والسياسية للمسجد مع الحفاظ على الطّابع الأثري والمعماري له، وإنّها حريصة على عدم توقف مشروع الترميم. ولفت إلى أنّ  كل العقبات حُلّت واستؤنفت الأعمال بالمشروع كما اتفق على فروق الأسعار نظرا لتغيير سعر الصّرف. وأوضح خلال جولته التفقدية أنّ الترميم يتطلب وقتًا طويلًا لأنّه يحتاج إلى مهارات خاصة وتقنيات دقيقة واستخدامات يدوية.

وأوضح محمد عبد العزيز، مدير عام مشروع تطوير القاهرة التاريخية، أنّ مشروع ترميم مسجد الظاهر بيبرس بدأ في شهر يونيو /حزيران من العام 2017، بإجمالي قيمة التعاقدات نحو 76 مليون جنيه.

 وأضاف عبد العزيز أنّ العمل بالمشروع قد بدأ، وأُزيلت الحشائش الموجودة في المسجد وزُوّد الجامع بالطلمبات اللازمة لشفط المياه الجوفية التي غمرت المنطقة كما ستُستأنف أعمال الترميم الدقيق والمعماري، واستبدلت الأحجار التالفة والمتهالكة، وغُيّرت نظم الإضاءة.

وأوضحت وزارة الآثار المصرية أن تخطيط المسجد يشبه إلى حد كبير تخطيط جامع أحمد بن طولون، حيث يبلغ طول الجامع 108 أمتار وعرضه 105 أمتار، ويتكون من صحن يحيط به أربعة إيوانات. ويمتاز الجامع بوجود ثلاثة مداخل محورية بارزة عن الواجهات الثلاث ما عدا الواجهة الجنوبية الشّرقية. وقد استعمل بيبرس في بناء جامعه رخاما وأخشابا أحضرها من قلعة يافا بعد أن دمر هذه المدينة هي وأنطاكيا سنة 1267م - 666هـ.

ويوجد المدخل الرئيسي للجامع في منتصف الواجهة الشمالية الغربية، وتغطي ساحة المدخل الرئيس قبة. وكانت تعلوه مئذنة تهدمت، واستولى الفرنسيون على الجامع أثناء الحملة الفرنسية 1798 - 1801م وحوّلوه إلى قلعة وجعلوا من مئذنته بُرجًا دفاعيًا ونصبوا المدافع على أسواره، وسكنته طائفة من الجنود الفرنسيين فكان ذلك سبباً في تخربه وتهدم مئذنته.

 يذكر أنّ جامع الظاهر بيبرس تحول إلى مصنع لإنتاج الصابون في أيام محمد علي باشا، كما أخذت منه أعمدة وأحجار استخدمت لبناء رواق الشراقوة في الجامع الأزهر. وبعد الاحتلال البريطاني لمصر سنة 1881 حوّل المحتلون الجامع إلى مذبح، ولذلك عرفت المنطقة التي بها الجامع لدى عامة الناس باسم "مذبح الإنجليز", حتى الخمسينات من القرن العشرين. حسب وزارة الآثار المصرية.