يدعوك معرض “كوكب بلا منطق” للإبحار في متاهة فنية، صنعها 40 فنانًا وفنانة يحتفون بالجنون عبر المعرض الجماعي “غاليري آرتس مارت” في القاهرة، الذي يتبنى نموذجًا تفاعليًا يشترك فيه زائر المعرض لاكتشاف مَواطن “اللامنطق” الذي ربما لا يُدرك تفصيلًا أنه يعيش بداخله، وذلك من خلال خوض رحلة فنية تأخذه إلى أماكن مادية افتراضيًا عبر لوحات المعرض، وبها يقوم بنفسه بنقد شخصي لمدينته وأحلامه.

الفنانة المصرية لينا موافي، مؤسسة الغاليري ومنظمة المعرض، تقول لـ”الشرق الأوسط” إنّ “المعرض مُصمم بشكل يجعل الزائر شريكًا في اختيار مشاهداته من أول لحظة”.

وتستقبل الزائر قبل دخوله المعرض خريطة تفصيلية تشرح تقسيم المعرض من الداخل، وتدعوه لاختيار مساره في التجول داخله، حيث يمكن أن يختار الدخول للمعرض من بوابة تعبر به إلى غرف تضم لوحات عن العقل الباطن والصورة الذهنية مرورًا إلى لوحات تُصوِّر عالم المدينة الأوسع، أو بالعكس فمن الممكن أن يختار الدخول للمعرض من بوابة المدينة في اتجاهه إلى عالمه الذاتي داخل عقله.

بعد أن يختار الزائر أيَّ بوابة يريد الدخول منها إلى المعرض الفني، يمر في غُرف مُتصلة مُصممة بالترتيب الذي حدده بنفسه، ومن بين تلك الغرف “اللاوعي، والأحلام، والعلاقات، والأنا، والبيت، والصحة العقلية، والعادات والتقاليد وحتى المؤسسات والمدينة بصورتها الأشمل”.

تضيف موافي: “أردنا من خلال تلك التجربة أن نخلق حالة من التفاعل بين الزائر ومشاعره وحتى قراراته، فقمنا مثلًا في منطقة العادات بعمل استطلاع عن أكثر العادات التي يريد أن يبدأها أو يتوقف عنها وذلك من خلال جدارية مُصممة بشكل فني تضم اختيارات واسعة كشكل تفاعلي، وكذلك في منطقة المؤسسات طرحنا سؤالًا على الزوار عبر حائط خاص عن أكثر المؤسسات التي كان لها تأثير على حياتهم، سواء المدرسة أو الأسرة أو الإعلام وغيرها، وبالتوازي مع هذه التجربة الذاتية للمشاركين، تُعرض الأعمال الفنية التي تُواكب كل فكرة يتطرق إليها المعرض، وهي أعمال تتميز بالاختلاف الكبير في تجاربها الفنية والعمرية”.

من بين الفنانين المشاركين في المعرض الفنان المصري حلمي التوني، والسوداني صلاح المر، وياسين حراز، ونزير طنبولي، وعايدة خليل، ورباب عيسى، وغيرهم، وتتفاعل الحالة اللونية في لوحات المعرض مع ثيمة الجنون التي تتسم بالجرأة سواء في الألوان الصاخبة أو حتى المرسومة باللونين الأبيض والأسود، كما تتنوع التكنيكات والخامات الفنية المُستخدمة لتوظيف زاوية رؤية كل فنان حول عالمه اللامنطقي، فتجد حضورًا للبورتريه والفنون التعبيرية، واستخدام الكولاج، والخامات اليدوية، وكذلك الخطوط التكعيبية.

تطرح ثيمة المعرض تساؤلات خفية حول مدى قدرة الإنسان على التكيف مع عالم يخلو من المنطق أحيانًا، يتساءل القائمون على المعرض: “كيف وصل بالإنسان الأمر إلى التكيف مع هذا العدد من الظواهر غير المنطقية؟ أصبحت عقولنا تحت ضغط مستمر للتكيف مع نوع جديد من الجنون على فترات أكثر وأكثر تقاربًا، ومن دون وعي، أصبحنا (مشاهد متفاعل) في هذه الحياة المعاصرة اللامنطقية داخل شوارع المدينة أو داخل أسرنا أو في أماكن عملنا أو حتى كأفراد تصارع اللامنطقية داخل أنفسها”.

من بين أشكال اللامنطقية التي اعتدنا عليها وتُظهرها لوحات المعرض، أعمال تُصور جنون الشوارع والزحام المُروع للطرق بالقاهرة التي تعني قضاء ساعات في الشارع والمواصلات، أو اشتراك أسرة من ستة أفراد في ركوب دراجة نارية صغيرة في نهر الطريق دون خوف من السقوط أو الإصابة، وهي مشاهد يومية معتادة. تقول لينا موافي: “في قسم التقاليد تُظهر لوحات فنية كيف أننا ما زلنا نتّبع عادات متوارثة من العصر الفرعوني، كما نفعل في إحياء (الأربعين)، بعد 40 يومًا من وفاة المتوفى، وهي عادة فرعونية كانت لها علاقة بالتحنيط، وعلى الرغم من عدم وجود التحنيط في حياتنا المعاصرة الآن فإننا ما زلنا متمسكين بإحياء هذا التقليد في مصر، وكذلك الحال بالنسبة إلى عادات اجتماعية كثيرة لا منطق في التفاعل معها حتى اليوم”.

وترى موافي أن الشكل الذي تم تصميم المعرض الجماعي به هو محاولة للابتعاد عن الشكل التقليدي للعروض داخل قاعات الفن التشكيلي، من خلال خلق سياق أكثر قُربًا وقدرةً على خلق تفاعل وحوار فني وإنساني بين الفنان والمجتمع.

وقد يهمك أيضًا:

بحث جديد يثبت أن رمسيس الثالث مات طعنًا بالسكاكين بعد بتر ابهام قدمه