صناعة النحاس في القيروان

 تعتبر مدينة القيروان من أبرز المدن التونسية، التي مازالت تحافظ على صناعة النحاس في مختلف حرفها، بل إنها قد شهدت في السنوات الأخيرة إقبالا متزايدا عليها، نظرا لارتفاع عائداتها، خاصة بعد أن تمّ فتح الأسواق باتجاه التصدير. ويعد اختصاص النحاس المطروق من أقدم الصناعات التقليدية التي عرفت بها مدينة القيروان. وهو يعود إلى عهد الدولة الأغلبية وعرف ازدهارا في عهد العثمانيين، ولا تزال هذه الحرفة تحافظ على حضورها في الأسواق من خلال تأقلمها مع روح العصر.

وإذا كانت الزربية القيروانية قد بلغت الآفاق بشهرتها، فإن صناعة النحاس المطروق لا تقل شأنا. وتتجلى قيمة النحاس في القيروان أكثر ما يكون في رمضان، لارتباطه بعادات قيروانية أصيلة ظلت وفية لهذا المعدن، إضافة إلى أن هذه الحرفة دخلت مرحلة متقدمة من الابتكارات المواكبة للعصر

.

ويضم الحي الحرفي بالنحاسين نحو 34 محلا لصناعة النحاس المطروق. وتعتبر القيروان المدينة الوحيدة في العالم، التي تخصص للنحاس سوقا حرفية إلى غاية اليوم، ويستقطب القطاع نحو 250 حرفيًا. وتحافظ العائلات القيروانية على عادة اقتناء الأواني النحاسية. وسر ذلك أن النحاس يتفوق على جميع المعادن التي تصنع منها الأواني، بفضل قيمته الصحية المؤكدة من المخابر العالمية، وبفضل تميز النحاس في محافظته على درجة حرارة، فضلا عن الجانب الاقتصادي، نظرا لكون النحاس يحافظ على قيمته وثمنه على مرور الزمن، مما جعل معظم العائلات تتوارث الأواني النحاسية ويتم تقسيمها في التركات.

وفي رمضان يتم إعداد هذه الأواني بتلميعها أو ما يعرف "بالقصدير". أما في أواخر شهر رمضان وبداية من ليلة النصف، يستعد الخاطب إلى إخراج موسم "عروسه" يكون من الأواني النحاسية ومن التحف والهدايا تحملها في جهازها بافتخار. ويشكو القطاع من بعض الصعوبات منها عدم توفر المواد الأولية، وارتفاع أسعارها وتقلص اليد العاملة المختصة. ليبقي سوق النحاسية بالقيروان يحافظ على طابعه كما يحافظ النحاس القيرواني، على حضوره في معارض الصناعات التقليدية في الداخل والخارج.

ويمثل هذه السوق نقطة إشعاع وطنية وعالمية تؤمن مختلف العمليات التجارية. وبشأن هذا الموضوع يقول العم عبد الفتاح انه ومنذ منتصف رمضان تنطلق التحضيرات لصنع الحلويات الخاصة بالعيد، فيحضر التونسيون لسوق النحاس طبق البقلاوة وأطباق الحلو العربي..كما ان هناك إقبال على "فلايك المصلي" التي تستعمل ايضا لوضع الحلويات.

وأضاف محدثنا أن صناعة النحاس المطروق في تونس وتحديدا في القيروان متوارثة عن الأجداد، وقال إن أول من ابتكرها هم اليهود وبعدهم الأتراك ولكنها ازدهرت وعرفت في تونس، ويشتكي العم عبد الفتاح من ارتفاع أسعار المواد الأولية، من فحم وقطن وسوائل ونحاس و"سناجر" وهي "بودرة "يدهن بها النحاس.