القاهرة-سهام أبوزينة
يطور عمالقة الإنترنت وشركات تقنية المعلومات خبرات لا يُستهان بها في مجال الخدمات المالية، وهو ما يقلق المصارف التي ما أن بدأت تتطور رقمياً حتى شاهدت شركات غير مالية تنافسها في هذا الميدان.
وتؤكد المصادر المتابعة أنه بات واضحاً كيف أن معظم تلك الشركات تطور حلول دفع وتحويل للأموال بشكل مستمر، وتصنع أدوات مالية تسمح لها بالتقرب أكثر من المستخدمين وجمع معلومات ثمينة عنهم.
والسؤال الذي يطرحه المصرفيون اليوم هو: هل ستنقض شركات التقنية على خدمات بنكية مثل فتح حسابات جارية أو ادخارية وخطوط ائتمان.
الجواب الوحيد المتاح الآن ينبئ بأن الحدود تتداخل بين وسائل التواصل والبنوك التقليدية. ويبقى على شركات مثل "غوغل" و"أمازون" و"فيسبوك" و"آبل" (المعروفة باختصار باسم "غافا") أن تكسب ثقة الجمهور أكثر فأكثر على هذا الصعيد لتستطيع إحداث خرق في قطاع التجزئة المالية والمصرفية.
وبينما لا يزال هناك حذر واضح من المستهلكين في أوروبا تجاه هذه الخدمات، من الواضح أن الصينيين يُقبلون بكثافة على الحلول المالية التي تقدمها شركات تقنية صينية مثل "علي بابا للدفع" و"بايدو" و"تيسنت"، وعلى سبيل المثال فقد وصل تطبيق "وي تشات" لشركة "تيسنت" إلى مليار مستخدم.
وفي الولايات المتحدة الأميركية، دخلت هذا الأسبوع شركة "أمازون" في مفاوضات مع مصرفي "جي بي مورغان" و"كابيتال وان" لتطوير منتج مالي يشبه الحساب المصرفي الجاري. ورغم توضيح للشركة ينفي نيتها التحول إلى بنك، فإن القطاع المصرفي الأميركي توقف عند ذلك التطور ليعيد بعض حساباته.
ويقول محلل من شركة "بين" للاستشارات: "لدى أمازون حظوظ كبيرة لإحداث تغيير جوهري في القطاع المالي، كما فعلت ونجحت بامتياز في قطاع التجارة الإلكترونية والتوزيع الاستهلاكي".
ويذهب المحللون إلى توقع وصول عدد مستخدمي خدمات "أمازون" المالية في السنوات الخمس المقبلة إلى رقم يقترب من عدد عملاء البنوك الأميركية الكبيرة مثل "ويلز فارغو".
ويؤكد المحللون أن "خطر" شركات التقنية (وخصوصا مجموعة "غافا") على البنوك أكبر من خطر شركات التكنولوجيا المالية (فينتك) التي بدأت تطل برأسها على هذا الميدان أيضاً اعتماداً على تقنيات كثيرة أبرزها "بلوكتشين".
فشركات "فينتك" تحظى بتقنيات ثورية لكنها لا تملك شهرة العلامات التجارية التي تحققت لعمالقة الإنترنت في التواصل الاجتماعي ومحركات البحث والتجارة الإلكترونية والحلول المعلوماتية، والتي بنت نماذج أعمال سمحت لها بانتشار شامل على مستوى الكرة الأرضية وباختراق مختلف شرائح المجتمع البشري.
ويضيف المحللون: "استطاعت شركات التقنية والمعلوماتية الوصول إلى المستهلكين والمستخدمين بأعداد مليارية وبأسماء تجارية مرموقة، وهذا يسهل لها الاختراق المالي بيسر بالغ عندما أرادت ذلك".
وأجرت شركة "بين" استطلاعات رأي أظهرت أن 60 في المائة من المستهلكين الأميركيين لا يمانعون في الإقبال على منتجات مالية تطرحها شركات "غافا"، والنسبة ترتفع في بلدان لم تتطور فيها بعد الخدمات المصرفية الرقمية مثل البرازيل والهند والمكسيك، حيث عبر 80 في المائة من العينة التي استُطلع رأيها في تلك البلدان عن قبولهم لذلك المبدأ.
أما في الصين، فالأمثلة صارخة على هذا الاختراق الكبير الذي أحدثته شركات التقنية في القطاع المالي. فعملاق التجارة الإلكترونية علي بابا أسس شركة "آنت فايننشال" لإدارة الخدمات المالية الرديفة لخدماته التجارية، وذلك لمنافسة خدمة "وي تشات" التي تقدمها شركة "تيسنت". وتشهد المنافسة بين الطرفين تصاعدا قويا مع الإقبال على الدفع بالهاتف النقال في أي مكان تقريباً بدءاً من سيارة الأجرة وانتهاءً بسداد أي مشتريات في المحال التجارية.
وتؤكد إحصاءات "بوسطن كونسلتنغ غروب" أن 60 في المائة من مدفوعات الصينيين اليومية باتت ممكنة رقمياً بالهاتف. ولأن هناك 140 مليون صيني يسافرون سنوياً خارج بلدهم للسياحة والأعمال، فقد أصبحت خدمات علي بابا للدفع و"وي تشات" متاحة في أكثر من 30 بلداً حول العالم، حيث يوجد الآن عشرات الآلاف من المحال التجارية والمواقع السياحية والترفيهية فضلا عن المطاعم التي تقبل طريقة الصينيين بالدفع عبر الهاتف النقال، حتى وصل عدد نقاط الدفع هذه إلى 180 ألفاً. وتشير دراسة لشركة "نيلسون" إلى أن ثلثي السياح الصينيين حول العالم يستخدمون وسائل الدفع تلك في الخارج.
في المقابل، لم تحقق شركات "غافا" الأميركية (غوغل وأمازون وفيسبوك وآبل) بعد اختراق مماثل للذي حققته نظيرتها الصينية، لكنها تكثف المبادرات في هذا السبيل، إذ يؤكد مصدر مسؤول في شركة "كي بي أم جي" أن الخدمات المالية هدف أساسي لشركات "غافا" لأنها تعزز سيطرتها على معلومات المستخدمين. فتلك المعلومات أساس قوة تلك الشركات التي لا يمكن أن تتخلى عن أي فرصة متاحة لها في هذا المجال الذي يشكل عصب كل منافسة عالمية اليوم وغداً.
وتستمر شركة "آبل" في تطوير خدمات الدفع عبر الهاتف النقال أيضاً، وكذلك تفعل "غوغل" عبر المحافظ النقدية الرقمية التي تتوفر لها تطبيقات مصممة لتكون جزءاً من الخدمات الأساسية في الهواتف الذكية. وتسعى "فيسبوك" للتقدم في خدمة تبادل الأموال بين مستخدميها عبر خدمة التراسل التي يوفرها الموقع، وعندئذ سنكون أمام واقع مالي رقمي جديد كلياً وثوري بكل ما للكلمة من معنى، بحسب معظم التقارير المحللة والمتابعة لهذه الظاهرة.