سور مجرى العيون

التفتت الحكومة أخيرًا إلي أهمية سور مجرى العيون، ذلك السور الأثري، والبناء الضخم المعروف بأعمدته الشاهقة ذات القبوات المعمارية، التي تفوح حوائطه رائحة التاريخ , حيث وقعت حكومة المهندس مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بروتوكولًا لتطويره، بعد نقل المدابغ إلي مدينة الجلود  في الروبيكي لإعادة إبراز رونق المنطقة الحضاري، بما تتمتع به من قيمة ثقافية، لتمثل إضافة جديدة علي خارطة المقاصد الأثرية والسياحية في مصر.

وكان المهندس عاطف عبد الحميد، محافظ القاهرة، أكد في وقت سابق أن المحافظة تمكنت من نقل 90% من مدابغ صناعة الجلود في سور مجرى العيون  إلى مدينة الروبيكي الصناعية تمهيدًا لتطوير المنطقة، موضحًا أن مشروع تطوير منطقة سور مجرى العيون، متوقف منذ 20 عامًا، ولكن تم وضعه ضمن قائمة أولويات المحافظة وبدأ تنفيذه بالفعل العام الماضي، لما به من تلوث للبيئة.

وكشف "عبد الحميد"، أن خطة تطوير منطقة سور مجرى العيون لن تقتصر على نقل المدابغ فقط وإنما تتضمن تطوير المساكن العشوائية الموجودة به، ضمن مشروع تطوير العشوائيات , وفي هذا الإطار، قال عادل عبد الرازق، عضو مجلس إدارة اتحاد الغرف السياحية السابق، إن المشروع سيكون نقلة حضارية للمنطقة، وإعادة أهميتها السياحية والتاريخية، بالإضافة إلي تحديث وتطوير صناعة دباغة الجلود بعد أن تم توفير بيئة ملائمة لذلك في منطقة الروبيكي.

وأوضح "عبد الرازق"، أن المشروع ليس وليد هذه اللحظة وإنما فكرته جاءت منذ سنوات وكانت تشرف عليه في البداية وزارتا الصناعة والمال باعتبار أن المنطقة تعمل على صناعة ودباغة الجلود , فتم إنشاء مدينة الروبيكي للجلود في بدر لاستيعاب أصحاب المدابغ ونقلهم للمدينة الجديدة بعد صرف تعويضات لهم ولكن ظلت المنطقة من دون تطوير إلي أن قررت الحكومة الاستفادة من تجربة صندوق العشوائيات في التعامل مع ملف مثلث ماسبيرو في مشروع سور مجرى العيون فتم إشراك وزارة الإسكان في تطوير المنطقة.

وأوضح الدكتور خالد سعد، الخبير الأثري بشأن علاقة المشروع بتنشيط السياحة، ، أن هناك إمكانية للاستغلال السياحي الأمثل لهذه المنطقة من خلال تصميم مسار سياحي في الجزء الغربي من السور والذي يضم منطقة "السواقي"، بالإضافة إلى استحداث "متحف للأعمال الهيدروليكية" في عصر بناء السور، على أن يستغل عائده المادي في الحفاظ علي الأثر وصيانته.

وأضاف "سعد"  أن سور مجري العيون، يعتبر جزءً أساسيًا في منظومة المنشآت المائية الإسلامية في مصر، والتي تعكس عبقرية المعمار، وصانع القرار في التعامل مع نهر النيل، وذلك قبل بناء السد العالي، وتغير أحوال النهر العظيم، مشيرًا  أنه سيتم تنفيذ مشروع متحف المنشآت المائية في القطاع الأول  في سور مجري العيون الذي يصلح لذلك، حيث يُمكن للزائر استكشاف التفاصيل المعمارية والتقنية لحلول رفع الماء، بالإضافة إلي خزائن عرض محدودة توضع في الفراغات التي أضاف مشروع الترميم لها أرضيات خشبية، يُعرض في هذه الخزائن القطع الأثرية التي تم العثور عليها أثناء الحفر، والكشف عن أماكن السواقي أعلي المبني.

وأوضح الخبير الأثري أيضًا، أن كل هذا سيساهم في إحياء هذه المنطقة مجددًا، بخاصة أن الكثير لا يعرف تاريخها الحضاري، مما سيعود بالنفع على الاقتصاد المصري، لأن هذه المنطقة ستتحول إلى منطقة سياحية تعمل على تنشيط حركة السياحة من خلال منفذ جديد كان بحاجة فقط إلى تطوير.

يذكر أن في عام 2006 بدأت الحكومة في وضع مخطط لتطوير منطقة "مجرى العيون"، إلا أنه تم تأجيل التنفيذ لأسباب عدة، وفي عام 2012 وتنفيذًا لمبادرة تحسين النظافة العامة التي عملت في تلك الفترة على رفع تراكمات القمامة من الشوارع واستغلال تلك المساحات لوضع "أكشاك" للشباب العاطل عن العمل، بدأت وزارة البيئة في تطهير محيط السور من المخلفات والقمامة، وإنشاء سياج حديد حوله لضمان عدم عودتها مرة أخرى، إلا أنه ومع الوقت تحول هذا السياج إلى "مربط للدواب" التي يستخدمها أهالي المنطقة في نقل جلود المدابغ، وتحول إلى مقلب عمومي لفضلات الأحصنة ومرعى للأغنام بالإضافة إلى تراكمات القمامة.

وارتبطت تلك المنطقة بتجارة الجلود، وانتشرت في محيطها المدابغ التي اعتمدت على قربها من منقطة "المدبح" مصدر المواد الخام التي تغذيها كصناعة قديمة بالمدينة، ووجدت في تلك المنطقة لبعدها عن العمران كإحدى الصناعات المتطلبة لذلك.