غزة ـ محمد حبيب
باتت قضيّة غلاء مهور الزواج في قطاع غزة، معضلةً تواجه معظم الشباب المقبلين على الزواج في القطاع المحاصر والذي يعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة وبطالة لم يسبق لها مثيل في صفوف الخريجين، ويمثل ارتفاع سعر الذهب والملابس السبب الرئيسي وراء غلاء المهور، حيث يدفع المقبلين على الزواج وذويهم نحو التفكير
بتأجيل شرائهم أملاً في انخفاض الأسعار.
ويؤكّد الشاب إبراهيم عماد، 25 عاماً، "أنّ غلاء المهور له جوانب سلبيّة وإيجابيّة، فأسعار الملابس والذهب مرتفعة وتحتاج إلى تكاليف كبيرة وبنفس الوقت الشاب في ظل الحصار لا يستطيع توفير كافة احتياجات الزواج في ظل عدم توفر فرص عمل وإن توفرت فتكون بمرتبات قليلة". ويوضح إبراهيم لـ"العرب اليوم"، "أنا كشاب لا أفكر حاليًا في الزواج لأني احتاج إلى مصاريف كبيرة، فقديماً كان المهر يبلغ 3 ألاف دينار أردني، أما الآن فيصل إلى 5 ألاف دينار بدون تكاليف الزواج الأخرى".
ويؤكد ضرورة أنّ تحظى الفتاه بحقوقها كافة، وخصوصاً المهر لأنه يحفظ مكانتها في المجتمع وهو تكريم لها، مشدداً على ضرورة طلب المهر المناسب لأن الغلاء يقف في وجه معظم الشباب المقبلين على الزواج.
ويشير الشاب محمد الهندي، 23عامًا، إلى أنه "إذا بقيت الظروف على ما هي عليه لن أتزوج إلا بعد الثلاثين"، وتساءل زميل بجواره ساخرًا"هل تعتقد أن المهور لن ترتفع عندماً تصل الثلاثين؟".
وأشار الشاب شاكر الصفدي إلى صعوبة الوضع الداخلي الفلسطيني، حيث يجب العمل على المنظومة الحياتية الاجتماعية خوفاً من الانهيار، معللاً ذلك بعدم مراعاة اللحمة ، حيث بدأ كل طرف يستغل الآخر.
وبيّن المتزوج حسن أبو حلبية، 29عامًا، أنّ ظروف الحياة بجلّها تغيرت، موضحًا "عندما تزوجت دفعت مهراً 2700 دينارًا، وكنا نستكثرهم والآن أصبح ضعف المهر” والبعض يقول "طبيعي مهو كل أشي غالي".
وأوضحت زهراء، 21 عامًا، أن القضية ليست بالمال إنما بفميه الفتاة، لأنها تعتبر أن قيمتها تقاس بمهرها وهنا تكمن المشكلة بحد ذاتها.
وعارضت حنان رأي زهراء، موضحةً "يحب على الفتيات ألا تقيس قمتها بالمال فقط، إنما حسب درجة العلم والحسب والنسب والدين، مبينةَ أنّ المال حق مشروع دينياً ولأننا فعليا بحاجة له وللإعانة على نوائب الدهر. وأكدت "لا أعتقد أنني أوافق على أن يبخس مهري فقط من مبدأ أنه حق".
ولفتتّ الفتاة دعاء النمرة إلى حالات زواج الأقارب التي يضيع فيها حق الفتاة أحياناً باسم العشرة والقرابة ويهدر حقها المالي، موضحةً أنّ الفتاة ليست طرفاً فاعلاً في القضية إنما هي عنصر قد تكون ظلمته الظروف".
وبرّر الشاب حامد بركات، 25 عاماً، أحد المؤيدين لغلاء المهور، بقوله "أسعار البضائع مرتفعة، وكذلك الذهب والذي هو أساس جهاز العروس، معتبراً أنه وقبل الحصار كانت ثلاثة آلاف دينار أردني كافية لشراء الذهب والبضائع، إلا أنها في هذه الأوقات لا تكفي إلا لشراء"، أما اعتراضه على هذا الغلاء فكان له أسبابه، ومنها صعوبة الوضع الاقتصادي في غزة، حيث إنه ليس من السهل أنّ يحصل الشاب على وظيفة، وإن وجدها فإن الراتب في الغالب بسيط، بالإضافة إلى غلاء المعيشة. واقترح بعض الحلول لمواجهة هذه المشكلة التي تفت بعضد الكثير من الشباب الغزي، وأولها أن تقوم الحكومة والجهات المسؤولة بالعمل الجاد لتحسين الوضع المعيشي في القطاع، مثل زيادة نسبة "غلاء معيشة" على رواتب الموظفين، وتكون مطالب أهل العروس معقولة، بحيث لا يضعوا مطالب تعجيزية، لا يستطيع العريس تخطّيها، وقال:"ولا ضير لو قام أهل العروس بتوفير بعض المطالبات القادرين عليها لإتمام مراسم الزواج".
أما سهير 22 عاماً، فترى في غلاء المهر أمر عادي، لأن فيه حفظاً لمكانة الفتاة، ورفعاً لقدرها، كما أن الوضع الحالي الذي يشهد غلاء الأسعار الفاحش يدعو لارتفاعها، موضحةً أنها لن تقبل بمهر أقل من 5 آلاف دينار أردني في الوقت الجاري.
ولفت نائب عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية د. زياد مقداد، إلى أنّ مهر المرأة من حقوقها التي شرعها الإسلام، وأثبتته الشريعة ليتكلف به الأزواج، لقوله عز وجل "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوا هنيئاً مريئا"، معتبراً أن إثبات الإسلام لهذا الحق هو تكريم للمرأة ووسيلة تستعين بها على تلبية حوائجها في أوائل أيام زواجها. وأكّد أنّ هذا المهر ليس ثمناً للزوجة أو ثمناً للاستمتاع بها، لأن المرأة في الإسلام ليست سلعة تباع وتشترى ولا متاعاً أو عقاراً يستأجر بالمال مدة ثم يترك، "فرباط الزوجة رباط مقدس، وآية من آيات الله تتحقق فيها المودة والرحمة والسكن لكل من الزوج و الزوجة وأولادهما". واستكمل "فإن الإسلام وهو يشرع المهر كحق للزوجة، نبه إلى ضرورة عدم المغالاة فيه، حيث قال صلى الله عليه وسلم:" أيسرهن مهرا أكثرهن بركة"، كما رغب القرآن الكريم في تزويج فقراء المسلمين ممن لا يملكون المال الكثير ولا يستطيعون دفع المهر الكبير".
وذكر بأن الله عز وجل وعد أولئك الفقراء إن زوجناهم بأن يغنيهم الله من فضله، وذلك في قوله تعالى "وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله"، وفي ذلك إشارة إلى عدم تحبيذ المغالاة في المهور، وإلى أن الخير في تخفيفها. واستدرك "ولكن دعوة الإسلام إلى عدم المغالاة في المهور، لا تعني امتناع القادرين والأغنياء عن دفع المهر الذي يتناسب مع إمكاناتهم، وبما يلبي متطلبات الزوجة بما يتوافق مع المستوى الذي تعيشه، فإن الله عز وجل يقول "وإن آتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئًا"، في إشارة إلى جواز دفع المهر الكبير للزوجة، ولكن يبقى الهدي العام في تعاليم الإسلام هو التيسير والتخفيف في المهر سواء على الغني أو الفقير.
وأوضح أن هذا هو هدي الشريعة الإسلامية في مهور بنات المسلمين، متسائلاً "فهلا استجبنا لهذا الهدي القرآني والنبوي الحكيم؟، وهلا يسرنا على شباب المسلمين المقبلين على الزواج هذا الأمر فلم نكلفهم بما يسبب لهم الضيق والحرج، ويراكم عليهم الهموم والديون؟"، مشيراً إلى أنه في قلة المهور إنزال للبركات على بيوت الأزواج والزوجات، وعلى الأبناء والبنات، لتملأ السعادة والهناء حياتهم.
وعن آثار غلاء المهور على الزوجين، أجملها في تسلل المشاكل والهموم داخل البيوت والمتسببة عن المهر الكبير والتكاليف الباهظة للزواج بما تلحقه من ديون يصعب تسديدها، إلى جانب أنها تفسد عليهم حياتهم وتنغص عليهم هناءهم وتعرض علاقتهم للاضطراب، منوهاً إلى تأثيرها على الشباب المقبلين على الزواج حيث يؤدي ارتفاعها إلى تأخرهم لأعوام طوال حتى يجمعوا المهر وتكاليفه ما قد يعرضهم في هذه الفترات للفتن والمفاسد، ويتسبب في "عنوسة" الفتيات. وناشد أولياء الأمور بأن يرحموا شباب المسلمين ويرفقوا بفتياتهم، فلا يغالوا في المهور.
وأوضح الناشط المجتمعي نعيم كباجة "أنّ ما يعانيه المجتمع الفلسطيني من ظاهرة عنوسة على أرض الواقع أسبابها زيادة المهور وما يصاحبه من ضائقات مالية وارتفاع عدد النساء عن الرجال". ونوّه إلى أن ظاهرة "العنوسة" ما هي إلا ترجمة لعزوف بعض الشباب عن الزواج، واصفاً إياها بــ"الآفة الاجتماعية، التي تؤثر سلباً على السلوك والجوانب الأخلاقيّة والدينيّة. وعدّ الخلافات السياسيّة وتشرذم أطياف الشعب الفلسطيني أثر على علاقاته الاجتماعية لاسيما المصاهرة، بعدماً عُرف عن المجتمع الفلسطيني ارتباطه الاجتماعي.
وبيّن أنّ أبواب الحل معلقة باعتبار حالة "العنوسة" ما هي إلا حصيلة لـ"مشكلات أكبر"، ينبغي العمل على الحد من تفاقمها وإرجاع العهد الذي كانت فيه الثقة والمودة رابطاً اجتماعياً مهماً.
وأعربّ عن إعجابه بمعاودة العادات القديمة بتخفيف أعباء زواج الإناث وتسيرها، حتى "أصبحنا نرى المثل القائل أخطب لبنتك وما تخطب لابنك، قابلاً للتنفيذ بعد أن خشي الأهالي عنوسة بناتهن".