دمياط ـ محمد سامي البوهي
تتميّز مدينة عزبة البرج التاريخية الواقعة عند نهاية فرع دمياط لتشهد على انتهاء رحلة نهر النيل في البحر، بموقعها الرائع الذي يمتزج بتناقض يجمع بين ملوحة البحر، و عذوبة النيل، مما ساهم في إبراز الطبيعة المجتمعية فيها، بداية من كونها مدينة تاريخية مهملة، تحوي معالم أثرية قديمة تشهد على صفحات مندثرة من تاريخ مصر كـ"طابية عرابي" التي بناها الفرنسيون على أنقاض مدينة عزبة البرج القديمة التي هدمها الجنرال الفرنسي "فيال" بسبب مقاومة أهلها لهم بشراسة إبان حملتهم على مصر، وقتل المئات منهم لمنعهم من دخول البلاد من داخل النيل ، ثم جاء قادة الثورة العرابية و تحصنوا فيها لمنع دخول الأسطول الانكليزي إلى مصر، فعزبة البرج مدينة تعتمد اعتمادًا كليًا منذ آلاف السنين على حرفة الصيد، بكل ما تشمله تلك المهنة من صناعات بداية من صناعة القوارب، و رحلات الصيد التي تخرج منها يوميًا، و انتهاءً بصناعة الأسماك في مصنع "أدفينا"، فالمدينة يمتلك أهلها 3500 مركب صيد، بما يمثل 65% من أسطول الصيد في مصر، ولكن في ظل منظومة الإهمال و الفساد التي مرت بها البلاد على مر عقود طويلة، أهملت المدينة بمن فيها، رغم ما تمثله من عمود فقري يمكن أن تعتمد عليه الحكومة لتعافي اقتصادها بأقل التكاليف، على اعتبار أن مشروع الصيد قائم في المدينة بالفعل منذ آلاف السنين.
تنفرد عزبة البرج الواقعة في محافظة دمياط بصناعة سفن الصيد، بطريقة بدائية ملازمة للجودة، و الخبرة، و العلم المتوارث عن الأجداد، حيث تبدأ تشكيل النواة الأولى للقارب من أخشاب الأشجار مثل شجر التوت و السنط و الكافور، فيقوم النجار بتهذيبها وتشكيلها بحرفية لصنع منها القوائم الأساسية للسفينة، ثم بعد ذلك يرفع العيدان، و يشدها بالأربطة، ثم يصنع أرضية المركب "الكورتة، وغرفة الماكينة وغرفة التبريد، و الكبائن، وكل ذلك يتم بحساب فطري مدروس، ولا مجال للخطأ حتى تنزل السفينة من فوق "الأزق" إلى الماء و تدشن رحلتها الأولى في البحر.
ولكن لا يوجد إطار واضح يحيط بتلك المهنة المهددة بالانقراض، فصانعو السفن في عزبة البرج يعانون من الدعم الحكومي الذي يضعهم في مكانتهم الحقيقية، باعتبارهم صناعًا قدماء يمتلكون موهبة فريدة من الممكن أن تعود على مصر كلها بمليارات الجنيهات، فهي مهنة تمتاز بأنها تخدم القطاع السياحي بصناعة اليخوت السياحية و تصديرها إلى الخارج، وتخدم صناعة الصيد بصناعتها لسفن صيد الأسماك، علاوة على أنها مهنة فريدة في حد ذاتها فلا يمكن لأي شخص أن يعمل فيها، ولكن الدولة تتجاهل أقل حقوقه لهم فلا تأمين صحي يأويهم، و لا حماية شرطية تحميهم من اللصوص "والبلطجية"، ولا نقاط إنقاذ أو إسعاف، ولا إمكانات تمكنهم من العمل تحت أجواء و ظروف آدمية، فكل نجار يمتلك ورشة مفتوحة تطل على نهر النيل أمام "طابية عرابي" الأثرية تلك الأرض التي يمتلكها مجلس المدينة، و إدارة الأملاك و يدفعون إيجارها في ظل الغياب النهائي للخدمات التي تساعدهم على تحمل مشاق ومتاعب تلك المهنة المرهقة.
ومن جانبه يقول أحد صناع المراكب يدعى حسن الحداد " نحن نعمل في مصر وسط أجواء محبطة، من الروتين الذي يعرقل عملنا، لذلك تستدعيني الشركات الأوروبية في قبرص للسفر إليها لإجراء الصيانة على سفنها، بدلا من أن تأتي هي إلى هنا و ذلك لغياب الإمكانات، من مارين مجهز بالأوناش و أحواض الرفع، ومعدات حديثة، فهنا كل شيء يتم ببدائية نضع قطعة الخشب على قطعة الخشب و نبني المركب، أما في الخارج فكل شيء مجهز و بأحدث المعدات، أما هنا فلا أي شيء غيرنا كعامل بشري يمتلك من الخبرة الكبيرة التي يمكن الاعتماد عليها لإنشاء مارين عالمي في عزبة البرج لبناء و صيانة السفن، فأنا أتقاضى في الخارج 15 ألف جنيه معاشًا شهريًا بخلاف الطعام و الشراب و السكن، أما هنا فكل شيء خاضع للأوراق و الروتين التي تضعه الحكومة أمام أي مركب يفكر أصحابها بأن يأتوا بها إلينا لإجراء صيانة عليها لذلك بات من الأسهل أن نذهب إليهم ولا يأتون إلينا".
وأشار الحداد إلى عزوف الكثير من الصيادين عن العمل في الصيد و التحايل على القانون لتهريب السولار إلى السفن الأجنبية في عرض البحر، محققين بذلك مبالغ طائلة تفوق ما يحصدوه من رحلات الصيد و بأقل جهد و تكاليف، فالمركب قبل رحلة الصيد يقوم بالتموين من محطة السولار التابعة لخفر السواحل، فيصرف له 22 برميلا في المتوسط مقابل رحلة مدتها 20 يومًا، ولكن صاحب المركب يقوم بشراء أوراق ثبوتية من بورسعيد بأنه تم تفتيشه في رحلة العودة، وثبت بأن المركب عاد محملا بالسمك، وهو في الاساس لم يصطد سمكة واحدة، ولم يذهب لبورسعيد من الاصل، بل باع حصته في السولار مقابل 50 أو 60 ألف جنيه، ورغم أن تلك المشكلة هي مشكلة عامة، و تجري في السويس و الاسكندرية بشراهة إلا أن الاعلام و الصحافة اختصراها في عزبة البرج، فعزبة البرج لو تم تحويلها إلى مشروع قومي بإنشاء ميناء للصيد، ومارين لصناعة وصيانة السفن، مع وجود التسهيلات من الممكن أن تمثل حجرًا أساسيًا في بناء الاقتصاد المصري، لذلك أدعو الرئيس المصري الجديد أن يضعنا في الاعتبار، فبناء المركب يشترك فيه النجار، و الفلاح، والحداد، و الميكانيكي، و السباك، و النقاش، ونجار الأثاث، و محلات الحدايد، و الأخشاب فهو قطاع كفيل بالقضاء على البطالة في مصر".
وطالب أحد أعضاء جمعية الصيادين رفض الافصاح عن اسمه بتوسيع عقود الصيد مع تركيا، وليبيا، وذلك لتنوع مصادر الصيد، كما دعا إلى الاهتمام بصيادي عزبة البرج لأن الصياد لا يكلف الدولة جنيهًا واحدًا، و في المقابل يدر عليها ملايين الجنيهات".
وأضاف " إن الصياد في عزبة البرج يعاني من الروتين سواء على مستوى استخراج كارنيهات الصيد، أو تراخيص المراكب، أو غياب الخدمات، ودوريات الحماية الليلة، و التأمين الصحي، و الإنقاذ العائم و الطائر، حيث لا يمر عام واحد إلا وتحدث كارثة غرق في عزبة البرج بسبب غياب الانقاذ، رغم إرسال المراكب نداءات الاستغاثة، إلا أن قصور الانقاذ يعتبر شبحًا يهدد سلامة الصياد".
وتابع" إن الصياد يفتقد إلى ثقافة البحر التي تساعد على الحفاظ على الثروة السمكية، فكان في الماضي يمنع الصيد في أشهر معينة للحفاظ على الزريعة، كما انه كان يمنع الصيد بشباك "العلق" وهي شباك دقيقة جدا تقضي على الاسماك الصغيرة و تساهم في خراب الثروة السمكية في مصر".
وشدد على ضرورة وضع قوانين صارمة، لمنع تهريب السولار، حيث أنه لا يوجد قانون حتى الآن يحاسب على تلك الجريمة، وأقصى ما يتم فعله هو سحب رخصة المركب المهرب للسولار، كما طالب الحكومة بعقد اتفاقات تحمي صيادينا من المطاردة وإطلاق النيران خارج المياه الاقليمية خاصة في تركيا و ليبيا ".