باريس ـ مصر اليوم
منذ أيام قدمت دار “شانيل” عرضها لربيع وصيف 2021 أمام باقة منتقاة من الضيوف وفي ظل مخاوف من تفشي فيروس كورونا في باريس. كان هذا آخر عرض تُقدمه بعد سنوات طويلة في “لوغران باليه” قبل أن يُغلق أبوابه ويخضع لعملية ترميم واسعة. لكن ليس ببعيد عن هنا، وفي بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول)، افتتحت الدار أول معرض يقام في “باليه غالييريا” بعد عامين من العمل على ترميمه بدعم مادي من الدار، لكي تقدم “بيانها الرسمي عن غابرييل شانيل” وتسلط الضوء على رؤيتها الفنية التي غيّرت وجه الموضة إلى الأبد. كان من المفترض أن يفتتح المعرض في شهر أبريل (نيسان) الماضي، لكن جائحة كورونا أخّرت الافتتاح؛ خوفًا من تفشي العدوى، وأيضًا لأن بعض القطع المستعارة من متاحف عالمية مثل الميتروبوليتان بنيويورك لم يتمكن من شحنها؛ الأمر الذي أدى إلى تغيير البرنامج.
وتجدر الإشارة إلى أن أوليفييه سايار، مدير المتحف السابق هو من اقترح فكرة المعرض على الدار منذ فترة طويلة وقبل جائحة كورونا، إلا أنها أخذت وقتًا ولم تتحقق في عهده. خليفته ميرين أرزالوس هي التي كان لها الحظ في ذلك بمساعدة فيرونيك بيلوار، بينما اقتصر دور أوليفييه على الإشراف والتوجيه الفني. وحسب تصريح للرئيس التنفيذي لدار “شانيل” برونو بافلوفسكي، فإن كل الأشياء الجميلة “تستحق الانتظار والصبر”. وهذا ما كان رغم كل القيود والاحتياطات التي يخضع لها زوار المعرض.
يشغل المعرض مساحة تقارب 1500 متر مربع، بما في ذلك صالات العرض في الطابق السفلي التي تم افتتاحها حديثًا.
وعلى العكس من معرض استعادي للدار، احتضنه متحف الميتروبوليتان بنيويورك في عام 2005، شمل تصاميم للراحل كارل لاغرفيلد أيضًا، فإن هذا “البيان الرسمي” خاص بالمؤسسة غابرييل وحدها. يتتبع أسلوبها الخاص من خلال 350 قطعة تقريبًا تمت استعارتها من مجموعات “باليه غاليريا” وقسم التراث لـ”شانيل”، إضافة إلى متاحف دولية أخرى، مثل متحف فيكتوريا وألبرت في لندن، ومتحف دي يونغ في سان فرانسيسكو، ومتحف دي لا مودا في سانتياغو دي تشيلي، ومتحف الأزياء MoMu في أنتويرب.
الرسالة التي يرسخها المعرض، أن الموضة في القرن العشرين تنقسم إلى مرحلتين: قبل شانيل وبعدها. قبلها كانت الأزياء الراقية تعتمد أولًا وأخيرًا على الفخامة والاحتفال بالأنوثة في أبهى حالاتها، على الأقل من وجهة نظر ذكورية. حتى عام 1912 كان المصمم بول بواريه ملك الموضة بلا منازع. كانت تصاميمه تتميز بأحجام سخية وتطريزات غنية تطبعها لمسات استشراق واضحة. ثم جاءت تصاميم شانيل مضادة له وثورة على الأنوثة بمفهومها التقليدي. استبدلت الموسلين والدمسق والحرير مثلًا بقماش الجيرسيه الذي لم يكن يستعمل من قبل سوى في ملابس النوم والمنزل. أخرجته إلى النور من خلال بنطلونات بتصاميم مبتكرة تتسم بالراحة والانطلاق. كانت مناسبة جدًا لنزهات في دوفيل وبياريتز ثم باريس، كما كانت متماشية مع حركة نسوية كانت قد بدأت بوادرها في الأوساط الفنية المسرحية وغيرها في بداية العشرينات من القرن الماضي. هذه الثورة الصامتة التي أخرجتها غابرييل شانيل للنور في تصاميم طبعت عصرًا بكامله ولا تزال لحد الآن تؤثر على الذوق العام، هو ما يتناوله المعرض الذي أطلقت عليه الدار عنوان “غابرييل شانيل... مانيفستو” والذي يشمل ما لا يقل عن 167 إطلالة أبدعتها المصممة الراحلة ما بين عامي 1916 و1971.
يعتمد المعرض في سرده للقصة على تسلسل زمني يبدأ بعشرينات وثلاثينات القرن العشرين. وكما تقول فيرونيك بلوار، فإن النية لم تكن أبدًا سرد سيرة ذاتية للمصممة، فهذه معروفة وربما أصبحت مستهلكة، بل كانت التركيز على رؤيتها الفنية من خلال تصاميم حررت المرأة وكتبت فصلًا جديدًا في تاريخ الموضة، مثل البلوزة المقلمة من الجيرسيه التي تعود إلى عام 1916، وأيضًا الفستان الأسود الناعم والقصير، فضلًا عن تخصيص غرفة بالكامل لعطر N°5، الذي تم ابتكاره في عام 1921، وأحدث ثورة في صناعة العطور، حيث يأخذنا هذا التسلسل الزمني لفترة اندلاع الحرب، التي أدت إلى توقف دار الأزياء، في حين بقيت العطور والإكسسوارات المنتجات الوحيدة المعروضة للبيع في محلها الواقع بـ31 شارع كامبون في باريس.
بعد الحرب، بدأ عصر كريستيان ديور. فقد أبدع هذا الأخير للمرأة ما أصبح يطلق عليه بـ”ذي نيو لوك”، وكان بدوره ثورة في عالم الأزياء. رغم ما حققته هذه الثورة من نجاح ساحق في الولايات الأميركية والعالم، عارضتها غابريال شانيل بشدة. وصفتها بالخانقة، لكنها في الحقيقة كانت ترفضها أيضًا من الناحية الفنية لإغراقها في الأنوثة والرومانسية. صحيح أنها كانت تختزل أحلام المرأة الرومانسية، إلا أنها بالنسبة لغابرييل، لم تكن عملية. كامرأة متحررة وكسيدة أعمال كانت تحتاج إلى تصاميم أنيقة وعملية في الوقت ذاته؛ لهذا وعندما عادت إلى تصميم الأزياء في عام 1954 ركزت على رؤيتها الخاصة. كان لهذه الرؤية مفعول السحر في عالم الموضة عمومًا وفي باريس خصوصًا. هذا الاختلاف بينها وبين كريستيان ديور هو الذي أرسى قواعد أهم مدرستين قائمتين إلى حد الآن. تميُّز غابرييل - حسب شرح فيرونيك بلوار - يعود إلى أنها لم تتبع موجات الموضة السائدة “لقد ظلت دائمًا وفية لمبادئها ورؤيتها أن الأزياء يجب أن تزيد المرأة ثقة واعتدادًا بنفسها من دون أن تخنقها أو تحرمها حرية الحركة”.
وتضيف، أنها كانت تلبس تصاميمها بشكل يومي؛ وهو ما ساعدها كثيرًا على تطوير تقنيات رائعة تلمسها في كل قطعة معروضة هنا. ستكتشف أن جاكيت مفصل ومُبطن من التويد مثلًا خفيف الوزن، ورغم أنه محدد عند الأكتاف أو الخصر، فإنه لا يعيق الحركة على الإطلاق. وهذا ما ينقلنا إليه القسم الآخر من المعرض، الذي يمكن القول إنه عبارة عن رحلة استكشافية لحياتها الخاصة من خلال بدلة التويد بحافتها المزخرفة الشهيرة والحذاء ذي اللونين، وحقيبة 2.55 الأيقونية، وطبعًا مجوهرات الأزياء التي كانت جزءًا لا يتجزأ من إطلالة شانيل.
لا يختلف اثنان على أن توقيت افتتاح المعرض غير مناسب ولا يصب في مصلحته، إلا أن الحياة يجب أن تستمر ومن الظُلم أن يُحرم عشاق زيارة المتاحف من هذه المعارض، حسب قول برونو بافلوفسكي. طبعًا الاحتياطات مهمة وضرورية، بدءًا من استعمال الكمامات والمعقمات إلى تحديد عدد الزوار إلى 300 شخص في كل مرة. أما بالنسبة لعشاق “شانيل” في العالم، فإن المعرض الذي سيستمر إلى شهر مارس (آذار) من عام 2021 في باريس، سيتنقل في المستقبل إلى عواصم أخرى... حين تعود الحياة إلى مجراها الطبيعي.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
"شانيل" تُطلق مجموعتها الجديدة لخريف 2020 "أناقة بعناصر الروك"