الرباط ـ مصر اليوم
لم تكن المدونة المغربية أسماء تهامي تعتقد أن ما تقدمه في مواقع التواصل الاجتماعي من صور وفيديوهات ومعلومات دقيقة وأفكار حول المناطق القروية المعزولة بالمغرب، سيجد صداه لدى العديد من المهتمين بالسفر والتجوال، الذين حولوا وجهتهم إلى الداخل بعد تعذر السفر إلى الخارج بسبب جائحة كورونا.وأضحى مهنيو ومنظمو الرحلات السياحية بالمغرب، يوجهون دعوات إلى أسماء حتى تزور العديد من المناطق التي يرغبون في الترويج لها سياحيا بداخل المغرب، حتى يعوضوا شيئا من الخسارة التي لحقتهم بسبب وباء كورونا.وعن هذه التجربة المتميزة، تقول المدونة الشابة أسماء تهامي : "لم يكن السفر في البداية يعني لي الشيء الكثير، فقد كانت أسفاري محدودة جدا، وغالبا مع العائلة من وجدة إلى مدينة السعيدية الشاطئية القريبة من بلدتي، أو إلى مدينة الدار البيضاء لزيارة العائلة أو لإتمام الدراسة فيما بعد".
وأضافت أسماء "لكن حينما قمت بأول رحلة سياحية إلى جنوب المغرب، وتحديدا إلى محاميد الغزلان، في إطار مبادرة إحدى الجمعيات، تغيرت كل الأمور لدي، وذقت حلاوة السفر والاكتشاف، فبدأ الاهتمام بالسفر وتقاسم الأفكار ينمو سريعا لدي، حيث أقدمت على التعريف بمنطقة شفشاون شمال المغرب، التي سافرت إليها لوحدي واكتشفت هدوء وروعة وسحر المدينة والمناطق المحيطة بها، وقلت مع نفسي هذا ما يبحث عنه الإنسان للترويح عن نفسه من التعب والعمل اليومي المرهق، فكتبت عن المنطقة وقدمت صورا وفيديوهات عنها، فلقيت استحسان الكثيرين".
وتضيف أسماء تهامي، التي تعمل حاليا موظفة في التسويق بمدينة الرباط، أنها كانت ترتب سفرياتها في البداية خلال أيام عطلها، حيث سافرت خارج المغرب، وكانت أولى رحلاتها إلى تايلاند وبعدها إلى بلدان عديدة، وقامت بالكتابة عنها والتعريف بها، ولكنها فيما بعد أصبحت ترتب لرحلاتها حتى في عطلة نهاية الأسبوع ليومي السبت والأحد، فاكتشفت العديد من المناطق بشمال وجنوب وشرق وغرب المغرب.
ومن بين تلك الوجهات مناطق لا تحظى باهتمام وكالات السياحة، فصار كل متتبعيها يكتشفون معها تلك المناطق التي تجد متعة كبيرة في الكتابة والتعريف بها، لأنها ترى فيها مساهمة منها في التنمية السياحية ببلدها، وخدمة إنسانية جليلة لسكان تلك المناطق الداخلية والمعزولة في بعض الأحيان، من أجل انتعاش السياحة بالمنطقة، وتوفير مدخول مهم لساكنتها، فقامت باقتناء الأجهزة اللازمة لذلك من كاميرا متطورة وغيرها، بل وتعلمت التوضيب عبر الأنترنيت لتتمكن من تقاسم فيديوهات وصور عبر مدونتها ومواقع التواصل الاجتماعي.
تقول أسماء "حينما أسافر أستمتع برحلتي مرتين، الأولى حينما أقوم بها، والثانية حينما أكتب وأعد فيديوهات عنها، فأتقاسمها مع المهتمين بكل حب وشغف وصدق، ولهذا تصل إليهم رسالتي ويتواصلون معي، بل هناك من المتابعين من يقترح علي مناطق أخرى لزيارتها والتعريف بها، فأستجيب لطلبهم ولا أقلل من شأن أي منطقة، لأن لكل منها ما تزخر به من غنى وتنوع".قبل الإقدام على السفر تدرس أسماء المنطقة جيدا، وتقرأ ما توفر لديها من كتب عنها، وتقدر حتى الميزانية التي تلزمها خلال تلك المدة، وهي غالبا ميزانية في المتناول، لأنها تبحث عن الإقامة في نزل متواضع أو في منازل مهيأة لاستقبال السياح، وليس في فنادق فخمة، وهي غالبا لا تكون متوفرة في المناطق المعزولة أو المناطق القروية.
كتبت أسماء عن سفرياتها في الموقع الإلكتروني المخصص للسفر بالمغرب والخارج، "المسافرات"، وفي مدونتها "ألباتروس"، التي اختارت لها اسم طائر "القطرس" الجوال، فجذبت العديد من المتابعين والمهتمين بالسفر في المغرب.وفي مرحلة موالية، تمكنت من المساهمة في برنامجين على القناة الثانية المغربية، أولهما بعنوان "شوف بلادي"، وهو عبارة عن كبسولات تعريفية بالعديد من المناطق السياحية المغربية، والثاني برنامج "نكتاشفو بلادنا"، الذي شاركت في كتابة محتواه، وهو برنامج مسابقات فيه أسئلة ثقافية عن السياحة الداخلية، ساهم في تنشيطه مجموعة من الفنانين المغاربة، وقرب العديد من المناطق بعاداتها وملابسها ومنتوجاتها المحلية وتاريخها للمشاهدين المغاربة.
وبعد النجاح الذي حققته المدونة أسماء تهامي، وتزايد متابعي منشوراتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، إنستغرام)، ونقلها لمتعة السفر بالمغرب وبأقل تكلفة، وتقديمها لأدق التفاصيل والمعلومات بما فيها من نقاط إيجابية وسلبية، وتقديم برنامج السفر وكيفية التنقل بأمان، خاصة بالنسبة للنساء، اللواتي يتوجسن عادة من الإقدام على مغامرة السفر لوحدهن في مناطق معزولة وغير آمنة، أضحت أسماء أيقونة السفر للعديد من النساء ونموذجا لهن، وتمكنت من نقل متعة السفر والاكتشاف لهن، وتبديد كل المخاوف القبلية، وذلك بترتيب سفرهن والاستمتاع برحلاتهن في أمن وأمان، والتنقل بكل حرية في العديد من المناطق المغربية النائية.
لا تخفي أسماء أن السفر غير حياتها وجعلها امرأة مستقلة متحررة من كل القيود والأعراف المجتمعية، وتقول إنها استطاعت إقناع عائلتها المحافظة بأهمية ما تقدم عليه من مغامرات، وقدرتها على القيام بذلك بكل أمان، بل إنها وصلت إلى درجة إشراكهم في رحلاتها وفي النبش عن مناطق جديدة، والانخراط في مهمتها الإنسانية من خلال جمعية "Trip et Partage"، التي تقوم بتنظيم رحلات اجتماعية من أجل مساعدة القرى المعزولة وسكانها في سعيهم إلى العيش الكريم، وذلك عبر إطلاق مبادرات تضامنية كإيصال المساعدات الغذائية والملابس والكتب، وما يحتاجه أهل تلك المناطق المعزولة.
وتشير أسماء إلى أن السفر أضحى بالنسبة إليها ضرورة وعلاجا نفسيا يمكنها من العيش بصحة وسلام، ويمكن لأي كان القيام به وبإمكانياته الخاصة، وحتى الموظفون مثلها، يمكن لهم تنظيم وقتهم واستغلال عطلهم للاستمتاع بالحياة عبر السفر ولقاء أناس آخرين، من خلال القيام بسياحة طبيعية وحقيقية أساسها الاكتشاف والدهشة، وليس سياحة النخبة، التي تتطلب إمكانيات لا تتوفر للكثيرين.
توضح المدونة أنها تقوم بالترويج للسياحة المغربية والخارجية منذ سنتين، وأن الجائحة والحجر الصحي جعلا العديدين يلتفتون إلى ما تقدمه، وإلى تغيير الوجهة نحو السياحة الداخلية، حيث ساعدت العديد من الناس للسفر بعد انقضاء فترة الحجر الصحي، وقدمت لهم الكثير من الحلول حتى يكون سفرهم آمنا مع احترام الاجراءات الاحترازية التي وضعتها السلطات، بل سافرت مع بعضهم في إطار مجموعات محدودة وبتراخيص قانونية، وذلك حتى لا تموت السياحة بالمغرب، التي كادت جائحة كورونا أن تقضي عليها.
التعريف بالسياحة المغربية، وخاصة السياحة القروية، أصبحت لدى المدونة والمسافرة الجوالة أسماء تهامي، واجبا وطنيا لا يمكن أن تتخلى عنه، ومساهمة فعالة لتنمية تلك المناطق الريفية النائية، التي تفتقد إلى الطرق وإلى البنيات التحتية الضرورية، وذلك من أجل فك العزلة عنها، ومساعدة ساكنتها على تحسين ظروف عيشهم. ومن بين تلك المناطق التي عرفت بها المدونة نذكر إمليل، وتاغيا، وامسفران، واكرسوال، بجبال الأطلس، ومناطق أخرى فريدة من نوعها، تستحق أن يشد الإنسان الرحال إليها.
قد يهمك ايضا
الكشف عن حمام سباحة من صنع الطبيعة يختبئ بين الجبال بقرية "بات"فى عمان