إبراهيم الهنيدي

أكد وزير العدالة الانتقالية ومجلس النواب المستشار إبراهيم الهنيدي أن مفهوم العدالة الانتقالية موجود في كل الدول التي مرت بظروف مماثلة لمصر اندلعت فيها ثورات لوقوع الشعب فيها تحت وطأة الظلم والتهميش وعانت فئات بعينها من جراء هذه السياسات ، ومرت بمرحلة من عدم الاستقرار عقب اندلاع الثورات فكان من الضروري أن يتم اعادة البناء وتهيئة ظروف المجتمع لحالة من الاستقرار وعلاج الأسباب التي أدت إلى اندلاعها لصهر فئات المجتمع وجعله منسجما ونزع أي فتيل للإنشقاق أو الصراع المحتمل بين فئاته ، ونقله إلى حالة الاستقرار .

وأضاف الهنيدي أنه لا يخفى على أحد أن مصر شهدت في الفترة الماضية أحداثًا سياسية قاسية وظروفًا اجتماعية غير عادية بل وغير مألوفة، فقد قامت ثورتان شعبيتان متتاليتان في أقل من ثلاثة أعوام ، كان المحرك لهما إرادة شعبية تهدف إلى حماية حقوق الانسان المصري وصون حرياته. هذه التغيرات السياسية جعلت مطالب الشعب تتجاوز قشور الإصلاحات التي كان يضطلع بها النظام السابق بين الحين والآخر، وامتدت بصورة مباشرة لجوهر مبادئ الحرية، والعدالة ، والمساواة ، والكرامة ، والإنسانية.

وتابع الهنيدي أنه بعد انشاء وزارة العدالة الانتقالية، كان من الواضح أمامنا أن هناك تحديات عديدة تواجه الحكومة الانتقالية بل تواجه الشعب بأسره وكان من غير اللائق ألا نسارع إلى فرض حلول ومفاهيم للعدالة الانتقالية من منظور الحكومة القائمة فحسب، ففضلت الدولة التعرف إلى جميع وجهات النظر المطروحة  فقامت الوزارة بالعديد من الدراسات القانونية وعقدت العديد من ورش العمل، وتمت دراسة التجارب المقارنة في دول العالم التي مرت بفترات انتقالية مماثلة وخلصنا من كل ما تقدم إلى أن مفهوم العدالة الانتقالية له أكثر من تصور تختلف في طبيعة إجراءات العدالة ومداها، فكان يجب النظر إلى المهمشين والفئات التي تحتاج للمزيد من الرعاية والبدء في إجراءات تحقيق العدالة الاجتماعية وكفالة الحياة الكريمة لكل المصريين فضلًا عن البدء في خطوات الإصلاح السياسي باعتبار أن أكبر إهدار لحقوق المصريين كان في تهميشهم سياسيُا وإفساد الحياة السياسية.

وشدد الهنيدي أن المصالحة الوطنية لن تمتد إلى من تلوثت أيديهم بالدماء ومارسوا التخريب ضد الشعب البريء من الإخوان، هذا على الأقل في الوقت الراهن، وبعد ذلك الأمر متروك لممثلي الشعب في البرلمان وهم أصحاب الرأي فى هذا، ولا مجال للمصالحة مع هؤلاء في الوقت الراهن فهم يواجهون جرائم يعاقب عليها القانون من جريمة تشكيل تنظيم مرورًا بالانضمام إليه وارتكاب جرائم تخريبية.

وأوضح الهنيدي أن من حق اللجنة العليا للانتخابات أن تضع الضوابط للعملية الانتخابية بما يحقق شفافية الانتخابات ونزاهتها وأن تختار وفقًا للاجراءات القانونية المتبعة والشروط الموضوعة لقبول الترشح من عدم القبول.

وكشف الهنيدي أن أمام العدالة الانتقالية ملفات متعددة ومن الموضوعات التي قطعت فيها شوطًا كبيرًا هو مشروع قانون توطين أهل النوبة وحق العودة للنوبة القديمة وقد اتخذت الوزارة العديد من الخطوات والتقت بجميع أبناء النوبة والجمعيات التي تمثلهم ، بالاضافة إلى أن الوزارة قامت بزيارة واقعية لأهالي النوبة ، وتم كتابة توصيات بمطالبهم الاجتماعية التي تتعلق بالصحة والتعليم ومخاطبة الجهات المعنية لتلبية هذه المطالب ، وذلك من أجل تحسين أوضاعهم الصحية والمعيشية مع الأخذ في الاعتبار أن دورنا المنوطين بتحقيقه وضع مشروع قانون يحقق لهم حق العودة وتعويضهم عن حالة الحرمان التى عاشوها ، إلا أننا واجهنا صعوبات في إعداد مشروع التوطين تتعلق بخلافات بين أهالي النوبة أنفسهم فبعضهم طلب التملك بشكل مباشر والبعض الآخر كان أكثر تساهلًا ، فالحكومة لديها تخوف من التملك المباشر للأراضي لأن السوابق لم تكن مشجعة ، حيث باعوا الأراضي فور تملكهم مما جعلنا نقترح بحل وسط يمنح حق الانتفاع لفترة لإثبات حسن النوايا يعقبها التملك، وعرضنا الأمر في مذكرة تم رفعها لمجلس الوزراء وتوقف الأمر عند هذا الحد فهذا الموضوع يأخذ بعض الوقت للتوافق حوله.

أما بالنسبة لمشروع الكنائس فقد تم عقد جلسات نقاش مع ممثلي الكنائس لبلورة رؤية موحدة حول مشروع القانون وتوصلنا إلى توافق نسبي حول إشكالية تعريف الكنيسة، حيث كان هناك خلافًا حول تعريفها لأنهم أرادوا أن يضموا المؤسسات التعليمية والصحية والرعاية الاجتماعية التابعة للكنيسة ضمن مفهوم وتعريف الكنيسة واعترضت بعض الجهات على ذلك إلا أننا توصلنا لتوافق حول إضافة صيغة للتعريف تعكس أنه لا يوجد مانع من الدور الاجتماعي، إلا أن نص المادة 235 من الدستور تنص على أن يصدر مجلس النواب في أول انعقاد له بعد العمل بالدستور قانونًا لتنظيم بناء وترميم الكنائس بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية ، أى أن الدستور نص صراحة على أن مجلس النواب وحده هو المختص بأصدار قانون تنظيم بناء وترميم الكنائس، وقد تلقت وزارة العدالة الانتقالية تصور الكنائس المصرية لمشروع القانون المقترح وتم الاستماع إلى بعض الجهات المعنية والتي كان لها بعض التساؤلات وبعض الاّراء المختلفة فى شأن عدد من النصوص ، ولا يزال العمل مستمرا ولازالت الوزارة تدرس ايضا بعض الأفكار المختلفة لمشروع القانون وتجرى الدراسات القانونية ذات الصِّلة على أن يوضع الأمر برمته أمام المجلس النيابى القادم بعد انتخابه .. فالأمر لا يزال حتى الآن قيد الدراسة والاعداد.

وأضاف الهنيدي أن وزارته قامت بجهد متميز جدًا رغم قصر مدة وجودها والتي تبلغ عامين، وهي فترة يعتقد أنها غير كافية لكي تؤدى العمل المنوط بها في ظل حالة السيولة والغليان الموجودة في مصر خلال الفترة السابقة ، علما بأن المصالحة المجتمعية قد تستغرق مددًا أطول من ذلك بكثير ووصلت فى بعض الدول إلى 10 سنوات.

وتابع الهنيدي أنه لا شك أن أولى خطوات الاصلاح المؤسسي تكمن في إصلاح وتطوير المؤسسات السياسية والحياة النيابية في مصر، فقدرنا أن إصلاح المنظومة التشريعية هو حجر الزاوية والبداية الحقيقية لإصلاح باقي المؤسسات، وعلية فقد أعدت الوزارة حزمة من مشروعات القوانين المنظمة للحياة السياسية والانتخابات ، فوضعت قانونا جديدا لمباشرة الحقوق السياسية يكفل أكبر قدر من العدالة ويعطي اللجنة العليا للانتخابات سلطات واستقلالية أكبر وينظم قواعد واجراءات القيد والتعديل فى قاعدة بيانات الناخبين وضوابط الدعاية الانتخابية والتغطية الإعلامية واستطلاعات الرأي ونظم واجراءات التصويت والفرز في إطار من النزاهة والشفافية.

كما تمت صياغة قانون لمجلس النواب يحدد شروط الترشح والنظام الانتخابي بما يتوافق مع أحكام الدستور ، ووضع لأول مرة قواعد لمنع تضارب المصالح وقانون جديد لتقسيم الدوائر الانتخابية وفقا للدستور الجديد . بالإضافة إلى إنشاء اللجنة العليا للإصلاح التشريعي والتي تهدف لإصلاح التشريعات المصرية الاساسية وإعداد التعديلات اللازمة بما يتوافق مع مواد الدستور الجديد .

وأكد الهنيدي أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية اعقبت فترة شديدة التعقيد من تاريخ مصر نواجه فيها إخطارًا ليست باليسيرة كخطر التطرف الذي يهدد المصريين وانتهاك حقوقهم في الحياة السالمة والأمن، ولا شك أن عبور هذة الفترة وتجاوز هذه الأزمات هو أمر ليس باليسير وتحاول فيه الدولة ومؤسساتها مقاومة تلك الأخطار، وهو الأمر الذي قد تحدث فيه بعض الاخطاء والتجاوزات الفردية التي ندينها ونأسف لحدوثها .