القاهرة ـ مصر اليوم
كشف الكاتب الصحافي محمود صلاح مجموعة من الأسرار الصادمة في حياة سندريلا الشاشة سعاد حسني.
لم أقابل السندريلا في مصر مطلقًا، لكنني هاجمتها عن جهل، ودون أن أدري، حدث ذلك قبل سفرها للعلاج في باريس، لم يكن أحد يعلم أنها تعاني من آلام مبرحة في ظهرها، وكانت هناك حفلة ظهرت فيها سعاد حسني وهي تغني وتترنح، فكتبت أتساءل: "هل سعاد حسني كانت سكرانة أم أنها كانت تتعاطى المخدرات؟!"، دون أن أعلم أنها في الحقيقة تتألم وتتعاطى مهدئات شديدة لتخفيف الألم الذي اشتد عليها، وسافرت لفرنسا للعلاج، وللأسف فقد أخطأ الأطباء الفرنسيون في علاجها، وتضاعف ألمها.
العشاء الأخير في مدينة الضباب
غادرت سعاد من باريس إلى لندن لتلقي العلاج.. في البداية كان علاجها يتم على نفقة الدولة، لكن ذلك توقف بعد فترة، وتدهورت حالة "زوزو"، وزاد وزنها بشكل مبالغ فيه لتعاطيها "الكورتيزون". في تلك الفترة كنت في لندن لمراجعة طبيب القلب الذي أجرى لي جراحة قلب مفتوح، وفوجئت بالصديق عبد اللطيف المناوي، الذي أصبح فيما بعد رئيس قطاع الأخبار بالتليفزيون، يدعوني على العشاء في منزله، وكان آنذاك يعيش في لندن ومعه زوجته المذيعة رولا خرسا، وأخبرني أن سعاد حسني ستحضر هذا العشاء، وأنها عندما علمت أنني مدعو سألته: "وهل محمود صلاح سيحضر ليأكل أم سيحضر كمحمود صلاح الصحافي؟"، فقلت له ولا عشاء ولا يحزنون، لن أحضر، قال لي: "لا تتسرع، لأن حالتها النفسية سيئة للغاية، فقد زاد وزنها، وهي تتهرب من الجميع، خاصة الصحافيين"، وبعد قليل اتصلت سعاد به لأنها عرفت بذكائها أنني سأغضب، وطلبت منه تأكيد حضوري.
في المساء حضر عبد اللطيف، واصطحبني من منطقة "بادنجتون" في العاصمة لندن إلى بيته في منطقة "إيلنغ" الأرستقراطية، وصلت إلى منزل عبد اللطيف وقت الغروب، وجلست ألعب مع أبنائه الصغار في الحديقة، وشاهدت سعاد حسني وهي تدخل، فتظاهرت بالاستمرار في اللعب مع الصغار الذين دخلوا المنزل بسبب حلول الظلام وشدة البرد، وبقيت وحيدًا في الحديقة، لكن بعد دقائق فوجئت بسعاد تقف على باب الحديقة وتقول لي: "مش أوي كده هتموت من البرد.. تعالى" فدخلت معها، وطلبت مني إحضار بعض الطعام لنأكل معًا بعيدًا عن المدعوين، وجلسنا على أريكة واحدة وأكلنا، وبذكاء الصحفي تعمدت عدم الحديث معها في أي مواضيع خاصة بها وبصحتها.
قالت لي "زوزو" إنها تعرفني من أيام ما كنت أكتب قصص "أخبار اليوم"، وكم أرادت أن تطلبني هاتفيًا لتعبر عن إعجابها، لكنها كانت تتردد في اللحظة الأخيرة، فقلت لها: "أنا أعرفك يا زوزو من وأنا مراهق"، وحكيت لها كيف كانت مجلة "الكواكب" في ذلك الوقت تقدم لقرائها نتيجة حائط سنوية، وتضع في كل شهر صورة فنانة مثل هند رستم وزبيدة ثروت وغيرهما، وقلت لسعاد: "أما شهر مايو/أيار فقد كنت أنزع الورقة من النتيجة وأضعها في حجرة نومي"، سألتني: "لماذا" قلت: "كانت صورتك بالمايوه على البحر"، فضحكت كثيرًا.
في تلك اللحظة بدأت صداقتي بـ"زوزو"، التي طلبت مني توصيلها لمنزلها، وعندما خرجنا، كانت لندن في ظلام دامس، والأمطار تهطل بشدة، ورأيت بعيني أجمل صورة لسعاد، التي رغم وزنها ومرضها ظلت ترقص في الشارع فرحة بالمطر وتغني "يا مطرة رخي رخي على قرعة بنت أختي".
تزوجت من "العندليب" بعقد رسمي وبشهادة يوسف وهبي
هكذا أصبحنا أصدقاء.. وصرت أذهب إليها بناءً على طلبها كل صباح في منزلها الذي لم يكن سوى أستوديو صغير مكون من حجرة وصالة، في عمارة يمتلكها بعض العراقيين في لندن، لم يكن لديها مال كثير وكانت تعيش حياة بسيطة، لكنها كانت شديدة الاعتزاز بنفسها، وأذكر أن أشرف السعد، رجل الأعمال الهارب إلى لندن تأثر لحالتها وطلب مني أن أعرض عليها مساعدة مالية كبيرة دون مقابل، وعندما أخبرت سعاد نظرت إلىَّ في دهشة واستنكار، وقالت لي: "هل رأيتني آخذ نقودًا من العرب وهم كثر، حتى آخذ من أشرف السعد؟ اشكره وقل له سعاد حسني مش محتاجة"، وكانت تغضب عندما أذهب إلى لندن دون علمها، وتتصل بي توبخني. ذات يوم اكتشفت أنها تكتب رسائل إلى الله، وعندي بعض هذه الرسائل، تخاطب فيها الله، وتعبر فيها عن إنسانيتها الصافية، ومن هذه الرسائل اكتشفت فيها الطفلة والإنسانة رقيقة المشاعر، فقد كانت تكتب له عن كل مكنونات نفسها وآلامها بصدق شديد، وهو ما كنت ألمسه بصورة واضحة من خلال ترددي الدائم عليها خلال زياراتي إلى لندن، وفي هذه الزيارات عرفت أيضًا أن سعاد حسني قبل صلاح جاهين غير سعاد بعد صلاح جاهين، فقد كانت له في نفسها معزة كبيرة، ومساحة لا يقترب منها أحد، وفي شقتها المتواضعة كانت صورة وحيدة لعم صلاح، رغم أنها لم تعلق ولو صورة واحدة لعبد الحليم حافظ الذي روت لي بنفسها أنها أحبته وأحبها، وأكدت لي أنهما تزوجا بشهادة يوسف بك وهبي، وبعقد زواج رسمي.
قصة المقال الذي أغضبها: "زوزو تبحث عن الطعام في صناديق القمامة"
الصداقة كانت حلوة، لكن النهاية لم تكن حلوة على الإطلاق، كنت ذاهبًا إلى لندن وفي الطائرة قدموا لي إحدى المجلات الأسبوعية المصرية الشهيرة، وكانت صدمتي كبيرة عندما وجدت موضوعًا بقلم صحافية مصرية تهاجم سعاد وتتهمها بالجنون والتسول، وبأنها تبحث عن الطعام في صناديق قمامة لندن، وعندما تأكل تسقط الطعام على ثيابها. كان كلامًا قاسيًا للغاية ولأول مرة أتمنى أن لا تهبط الطائرة في مطار "هيثرو"، فماذا سأقول لسعاد؟، وصلت إلى الفندق ووجدت نفسي في حالة صدمة حتى الحادية عشرة مساءً، لا أدري ماذا أفعل حتى دق جرس تليفوني وفوجئت بأنها سعاد حسني، كان صوتها غارقًا في البكاء، فوجئت أنها تعرف بحكاية الموضوع الصحافي في المجلة وتسألني وهي تبكي "محمود أنا مجنونة؟.. محمود أنا بدور في صناديق الزبالة على أكل؟.. محمود أنا بهطل الأكل على هدومي؟". بذلت مجهودًا كبيرًا لتهدئتها وفوجئت أنها علمت بالمقال قبل وصول المجلة إلى لندن، وكانت الصدمة أكبر عندما علمت أن أقرب الناس إليها هي من اتصلت وقرأت لها المقال حرفًا حرفًا، كأنها تتعمد قتلها.
لدليل.. "السندريلا" لم تنتحر وكانت تستعد للعودة إلى مصر
استطعت أخيرًا تهدئتها، وطلبت أن أحضر إليها في الصباح بشرط أن تعد لي القهوة بيديها، وهذا ما حدث في الصباح، وظللت أسألها أسئلة مضحكة في محاولة لتغيير حالتها النفسية السيئة، قالت لي إنها قررت العودة إلى مصر، وإن حالتها المادية جيدة جدًا، لأنها سجلت لإذاعة الـ"BBC" كل أشعار صلاح جاهين بصوتها، وأنها تسلمت مبلغًا كبيرًا، وأنها ستعود لمصر بعد شهر، وأنها أرسلت بالفعل حقيبة إلى منزلها في الزمالك، لكنها ستذهب للمصحة لمدة شهر تعود بعده لمصر.
وأكدت أنها تلقت سيناريوهات أعمال فنية وانتهت من علاج أسنانها وشفيت من مرض العصب الخامس الذي تسبب في حركة لا إرادية لعينها، وأنها فقدت ١١ كيلو غرامًا، وأنها ستذهب إلى المصحة فقط من أجل اللحظات الأخيرة، ثم ستعود لمصر.
وعلى الرغم من أنها طلبت مني طوال فترة صداقتها عدم الكتابة عنها، فإنني صممت على كتابة خبر مفرح بعودتها إلى مصر، وهذا ما حدث، فقد كنت وقتها رئيس تحرير مجلة "آخر ساعة"، فعدت وكتبت القصة، ووضعت غلافًا شهيرًا لـ"آخر ساعة" عليه صورة سعاد، وعنوانًا من كلمتين "أنا.. راجعة".
لكن للأسف كان القدر يكتب نهاية أخرى، وبسرعة، وبعد نهاية الشهر خرجت "زوزو" من المصحة، حيث تلقفتها سيدة مصرية كانت تعمل في لندن تدعى نادية يسري، وكانت تعرف سعاد، بعد أن عملت معها لفترة كـ"لبيسة" في أحد الأفلام، ودعتها للإقامة معها بعد أن خرجت من المصحة في شقتها بـ"ستيوارت تاور"، حيث فوجئ العالم بمقتل سعاد من هذا البرج.
في البداية قالوا إنها انتحرت، ولكنني أصدرت العدد الثاني من "آخر ساعة" وعليه صورتها ومكتوب عليها كلمة واحدة "قتلناها"، وكنت أقصد بها التجاهل والقسوة وعدم الاهتمام بها، وقلت إنني واثق من أن سعاد لم تنتحر، لأنها أخبرتني وهي سعيدة أنها ستعود.