الدكتور عمرو خالد

قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، إن النبي وقع مع اليهود بالمدينة اتفاقية دفاع مشترك معهم، لكنهم نقضوا الاتفاق معهم، فطردهم خارجها، مفسرًا موقف اليهود من نبي الإسلام بأنه وليد كبر وحسد "نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ"، إذ تكبروا على أهل المدينة، وكانوا يقولون إن نبي آخر الزمان سيخرج من بينهم، لكن ظهور النبي من العرب كان مفاجأة كبيرة لهم، فمارسوا الحسد والحقد الشديد ضده.

وأضاف في الحلقة الحادية عشر من البرنامج الرمضاني "السيرة حياة"، أن النبي بحث عن المشترك مع اليهود، فصام عاشوراء مثلما يصومون، وتوجه في الصلاة إلى القدس مثلما يتوجهون، وعقد معهم وثيقة المدينة، التي تنص على أن "اليهود أمه مع المسلمين لهم مالنا وعليهم ما علينا"، مدح سيدنا موسى، قائلاً: "لا تفضلوني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق فإذا موسى متعلقًا بالعرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله".

وأوضح أن النبي أخذ يبحث عن العلاقات الإنسانية المشتركة، فكانوا يزورونه في بيته، وتزوج من السيدة صفية ابنة حيي بن اخطب بعد وفاة أبيها، وكانت قد رأت في المنام أن القمر وقع في حجرها، بشرى لها بأن تتزوج النبي، لم يأخذها بذنب أبيها، ومن أجل القضاء على العنصرية، فهي أمنا: "زوجي نبي وجدي نبي وعمي نبي".

وأشار إلى أن "طريقة النبي الرحيمة كان لها أثرها في بعض اليهود، وأول من تأثر بها هو عبدالله بن سلام، وكان حبرًا عالمًا من يهود بني قينقاع، والذي صار من كبار علماء الصحابة وفقهائهم، وشهد فتح القدس مع عمر بن الخطاب، ودفن فيها ليكون شاهدًا في قبره على اليهود. وقد وضع إسلامه اليهود في حرج شديد أمام أنفسهم وأمام النبي لأنه أكبر علمائهم.. وتلك شهادة قوية ومؤثرة".

وفي الوقت الذي تساءل فيه خالد: لماذا علماء اليهود على الرغم من كونهم يعرفون الحق لكنهم يرفضون؟، فسر ذلك بأنهم "في اليهودية خلطوا بين حقيقة الدين وبين علماء الدين.. الدين عظيم نقي، وعلماء الدين بشر، فحين يخطئون تصبح هناك مشكلة بين للناس مع الدين، مثلما فعلت التيارات المتشددة".

وذكر أن "القرآن أنصف اليهود في الكلام عنهم، ولم يعمم الحكم عليهم، "وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ"، وقال أيضًا: "لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ"، معلقًا: "لم يكن الكلام عن أخطاء بني إسرائيل بقصد التعميم، بل كان القصد منه التعليم حتى لا نقع في هذه الأخطاء".

وأشار إلى أن رجلاً اسمه بستاني الإسرائيلي أسلم بعدما سأل النبي سؤالاً واحدًا عن أسماء النجوم التي رآها يوسف عليه السلام، فاشترط عليه النبي أن يسلم إن أخبره بها، فوافق، فلما أجاب أسلم، كما أسلم زيد بن سمنة، وهو من أحبار يهود، وقد أسلم واستشهد في غزوة تبوك.

غير أنه "كان كلما أسلم واحد من اليهود يزيد المشكلة تعقيدًا، ويزداد الحسد، بعد وحدة الأوس والخزرج، وإنشاء سوق المدينة، لينافس سوقهم"، كما قال خالد.

وذكر أن قبائل اليهود التي كانت تسكن المدينة، هي: بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة وكانوا يقيمون في جنوبي المدينة، في مدخلها من ناحية مكة، وهو ما يعني أن قريشًا لو أرادت اقتحام المدينة، فلا بد أن تدخل من طريق اليهود.

وقال خالد: "كان يمكن للنبي أن يحاربهم للسيطرة على هذا الموقع أو يغير من طبيعته السكانية، لكن النبي اختار توقيع معاهدة معهم، فعندما دخل المدينة بناها على مفهوم المواطنة، ووضع الدستور، الذي ينص على أن كل مواطن عليه حمايتها والدفاع عنها، (اتفاقية دفاع مشترك)، ووقع على هذا الدستور اليهود".

وأضاف: "حصل أن امرأة مسلمة كانت معها بضاعة تبيعها في سوق بنو قينقاع، فشبك يهودي طرف ثوبها في ظهرها، فلما قامت انكشفت ملابسها، وحينها نزلت آية تخبر النبي بأنهم خانوا المعاهدة، "وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين"، فحاصرهم لمدة 15 يومًا، وأجلاهم من المدينة، ذهبوا إلى الشام وعاشوا هناك ولم يأخذ أموالهم ولا سلاحهم.. فقط أجلاهم.

وردًا على من يقول بأن "هذا تطهير عرقي"، قال خالد: النبي لم يجل باقي قبائل اليهود حتى يكون هذا تطهير عرقي، وإنما طردهم لنفس الأسباب لطرد اليهود من أوروبا من كل (أوروبا الوسطى والغربية)، فلماذا يلام النبي على الرغم من عدله معهم؟.

مع ذلك، أشار إلى استمرار إسلام بعضهم، أسلم "مخيريق"، وكان غنيًا يعرف رسول الله، وغلب عليه إلف دينه فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد، وكان يوم أحد يوم السبت، قال: يا معشر يهود والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال لا سبت لكم، ثم أخذ سلاحه، إن قتلت هذا اليوم فأموالي لمحمد يصنع فيها ما أراه الله، قتل، فكان رسول الله يقول مخيريق خير اليهود، أمواله جعلها صدقة.

وقال إنه "بعد غزوة بدر، أجمع بنو النضير على الغدر، فأرسلت امرأة منهم إلى أخٍ لها من مسلم من الأنصار تخبره بهذا الأمر، فأعلم أخوها النبي، الذي أمرهم بالجلاء من المدينة، رفضوا فحاصرهم، 15 ليلة، وقذف الله في قلوبهم الرعب".

وأظهر خالد دليلاً على رحمة النبي، "حيث كان هناك طفل يهودي يعرفه، فلما مرض زاره، ولما رأى أن المرض اشتد عليه طلب منه أن يدخل الإسلام، استأذن النبي من والده، فأذن لابنه، فأسلم"، موضحًا أنه "فعل ذلك رحمة به، لم يأخذ ابنًا من وراء أبيه، عكس ما تفعله التيارات المتشددة اليوم من تجنيد الشباب".

وذكر أن "بني قريظة" نقصوا اتفاقية الدفاع المشترك" مع النبي وتحالفوا مع قريش في غزوة الخندق، فحاصرهم، قتل 600 من رجالهم، لأنهم ارتكبوا فيما يعرف بجريمة الخيانة العظمى، وأجلاهم من المدينة.

وذكر انه "مع خروج القبائل الثلاث من المدينة، إلا أن هناك يهودًا بقوا فيها: "ليس لنا عداء مع أهل دين ولكن مع قوم يرفضون التعايش"، ومات سيدنا النبي سنة 10 هجريًا ودرعه مرهونة عند يهودي، أي أن اليهود ظلوا في المدينة كأفراد".