اطفاء حريق هائل فى دار السلام

كانت الساعة تقارب الواحدة ظهرًا، حين عاد زياد محمد من درسه الخصوصي، وعندما أراد الراحة بعض الوقت، فوجئ بصوت فتاتين تبكيان، فقفز مفزوعًا باحثًا عن مصدر الصوت، حيث شاهد حريقًا بالعقار رقم 9، محل سكن «زياد»، بمساكن ضباط القوات المسلحة في منطقة دار السلام في القاهرة، مصحوبًا بموجات انفجارية، حيث يوجد أسفل المبنى- المكون من 5 طوابق- مخزن مواد كيماوية، وأسفر الانفجار عن وفاة 3 شباب تحولوا إلى أشلاء.

وهبط «زياد»، الطالب بالثانوية العامة، درج السلم، فرأى ألسنة النيران المرتفعة، التي أتت على منزله الذي تربى فيه، حيث يقول: «احترقت كل ذكرياتي.. بيت كان ينبض بالحياة، فالنار لا ترحم»، التفت حوله باحثًا عن مصدر الصراخ الذى كان يستغيث به وسط الصراع الدائر بين الموت والحياة، وخلال بحثه في كثير من الوجوه المذعورة، لمح فتاتين وشابًا يبكون، وعندما حاول كسر باب شقتهم الموجودة بالطابق الأرضى بجوار مخزن الكيماويات، كانت النار قد أحكمت حصارها، حيث يوضح: «ناديت على المُحاصَرين وقلت لهم: انطقوا الشهادتين».

وكان الرعب يسيطر على مساكن ضباط القوات المسلحة، حتى وصلت الشرطة العسكرية والنيابة العامة وقبلهما أجهزة البحث الجنائي، لمباشرة التحقيقات، وكذلك سيارات الإطفاء والإسعاف، وحاول الأهالي في البداية إطفاء الحريق بطرق بدائية، وكان بينهم الشابان محمود زكي ووليد سمير، اللذان أُصيبا خلال محاولتهما إنقاذ الناس، فيوضح أحدهما: «جبنا رمل وقذفنا به النيران، وساعد على زيادة الاشتعال سكب المياه»، وأحد رجال المطافئ، الذى تلون وجهه بلون الرماد، يقول إنهم أحضروا مواد كيميائية لرش النيران، التي تم إخمادها بعد 5 ساعات على الأقل.

وامتد الحريق إلى عقار ملاصق، حيث كان أحمد مصطفى، صاحب الـ29 عامًا، يجمع الأشياء التى تم إنقاذها من ألسنة اللهب، فيقول باكيًا: «أنا عريس وفرحي كان الأسبوع المقبل.. راح شقاء العمر، منه لله، صاحب مخزن الكيماويات»، لم يستطع «أحمد» استكمال حديثه، وسرعان ما تحرك إلى قسم شرطة دار السلام: «رايح أحرر محضر إثبات حالة».

مع غروب الشمس، تحولت ساحة العقارين 9 و10 بمساكن الضباط إلى تجمهر لعدد كبير من الأهالي، جميعهم تحدث عن رضا أحمد، صاحب المخزن، الذي يمتلك شقتين بمنطقة امتداد المساكن ويستغلهما للغرض ذاته «تخزين مواد كيماوية، ومياه نار، وسيلفات»، وعلى الفور تحركت قوة من الشرطة العسكرية والمدنية، وأغلقت الشقتين، بقرار من النيابة.

واشتبك الأهالي مع اللواء خالد شحاتة، رئيس حي دار السلام: «إنتوا حضرتم بعد الكارثة تقدمنا بشكاوى كثيرة لكم»، وبدوره قال «شحاتة»، إن الشرطة ألقت القبض على صاحب المخزن المتسبب في الحريق، وإن الحي قاد حملة مكبرة لإغلاق المخازن المخالفة للقانون بعد إبلاغ السكان عنها.

ووسط هذا الاشتباك كانت الطفلة «نور»، 12 عامًا، التي تحمل ملابسها من الرماد وكتبها وما تبقى من ألعابها: «شوفتو العروسة بتاعتى لسة عايشة»، ثم تبتسم الطفلة وهي تحتضن حقيبتها المدرسية، وسرعان ما أسرعت إلى شقتها في محاولة لأخذ ملابسها، لتكمل فرحتها، تقول «نور»: «خلاص هروح المدرسة تاني.. وهنصلح البيت»، فيما كان أبوها، العقيد محمد سيد، الضابط السابق بالقوات المسلحة، يرطم رأسه على الجدران، ويمسح بيده ذاك السواد، باكيًا على خسارة منزله: «لا نعرف إيه ممكن يعوضنا خسارتنا.. العوض على الله!».

تحاول هويدا أمير، زوجة «سيد»، أن تجعل زوجها متماسكًا، لكنها انهارت هي الأخرى عندما سمعت بقرارات الحي والنيابة العامة بإخلاء العقارين المتضررين، وانتداب لجنة من كلية الهندسة بجامعة عين شمس للوقوف على مدى صلاحية العقارين، فضلًا عن توفير مساكن بديلة لنحو 15 أسرة من المتضررين، ورفضت الأسر الرحيل إلى البيوت الجديدة الت] منحتها لهم الحكومة عوضًا عن بيوتهم: «إحنا نروح عند أقربائنا ولا نسكن تلك المساكن البديلة، قلوبنا تعلقت بمنزلنا القديم!».

وازدادت مشاعر الحزن بتشييع جثامين سارة محمد وإسراء أحمد وأحمد حسام، الذين لقوا حتفهما في الحادث: «احترقت جثثهم وذنبهم في رقبة مَن شغَّلهم»، وفقًا لأهاليهم الذين تسلموا الجثث من مستشفى السلام العام، عقب التشريح بمعرفة خبراء مصلحة الطب الشرعي، بعدما تحولت الجثث إلى أشلاء.