بيروت ـ غنوة دريان
كشفت الحائزة على الدكتوراه في العلاج النفسي والمجازة من البورد الأميركي في "علاج الفرد، الطفل، العائلة والزوجين" ودرست علم النفس على مقاعد الجامعة الأميركية في بيروت، ثم انتقلت الى الولايات المتحدة وأكملت دراساتها العليا حيث حازت الماجستير في علم النفس من جامعة بوسطن، والدكتوراه في علم النفس من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، ثم عادت إلى لبنان في العام 2004 لتعمل في مجال علم النفس العيادي في مستشفى الجامعة الأميركية، قبل أن يصبح لديها عيادة خاصة داخل مركز الأطباء لمعالجة المشاكل النفسية، الدكتورة ديالا فيصل نجار، عن أسباب تزايد أمراض القلق في لبنان
وأوضحت نجار : "تفيد الدراسات بأنه منذ 10 أعوام كان لبنان في المرتبة الثانية من حيث الإصابة بأمراض القلق إذ كانت اليابان تحتل المرتبة الأولى من حيث الإصابة بأمراض القلق، ولكن اليوم ونظراً للضغوط المعيشية والاجتماعية والسياسية، تزايدت نسبة الإصابة بأمراض القلق في لبنان اذ يعتبر اليوم من اكثر البلدان لا بل في المرتبة الأولى من حيث امراض القلق، وطبعاً هذا الأمر لم يحدث على مدى قصير بل بسبب الحرب اللبنانية التي بدأت منذ أربعين عاماً، ومنذ ذلك الوقت واللبنانيون يعانون من أمراض القلق والخوف وغيرها من المشاكل النفسية التي تنتقل من جيل إلى آخر. فاللبنانيون على مدى 40 عاماً عاشوا ظروفاً صعبة ومخيفة سواء في أيام الحرب أو السلم، فدائماً هناك ضغوط سواء من الناحية الأمنية أو السياسية أو الاجتماعية أو المعيشية واليوم مع النزوح السوري بسبب الحرب الدائرة في سورية تفاقم الشعور بالخوف والقلق من الأيام المقبلة وما قد تحمله من أعباء بسبب هذا النزوح.
وكشفت نجار عن كيفية تحديد مرض القلق، مشيرة إلى أن "القلق هو "Generalized disorder" او القلق المتعمم الذي يتغلب على الإنسان بشكل كبير ولكنه لا يدرك ماذا أصابه، فيشعر دائماً بالقلق حتى بدون سبب أو إنذار. ولكن بالنسبة للبنانيين، فإن تزايد حالات الإصابة بأمراض القلق مرده إلى الحرب اللبنانية التي بدأت في العام 1975 واستمرت لسنوات طويلة، وحتى بعدما انتهت ظل اللبنانيون يعيشون في حالة من القلق بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية المتردية، ولهذا نرى حالات أمراض القلق تتزايد من سنة لأخرى. صحيح أن هناك بلداناً تعيش مأساة الحروب والنزاعات ولكن ليس لسنوات طويلة كما حصل في لبنان، فتخيلي اذا ظل الإنسان يعيش في أجواء الحرب على مدى أربعين سنة كيف سيتخطى حالة القلق. فحتى عندما انتهت الحرب ظل اللبنانيون يخشون الانفجارات والاغتيالات السياسية وغيرها وطبعاً مع بدء الحرب في سورية ازدادت المخاوف والقلق".
وأوضحت نجار عوارض القلق، مشيرة الى أن أهم عوارضه تتمثل في "تسارع نبضات القلب، وضيق في التنفس، كما يتصبب المريض عرقاً، ويشعر بأن قلبه يدق بسرعة طوال الوقت ولا يقدر ان يتنفس بشكل جيد، ويكون منشغل البال على الدوام. والمشكلة في الأدوية انها مكلفة وبالتالي يعجز أحياناً عن تأمينها ويلجأ الناس الى تناول أدوية منخفضة الثمن حتى بدون استشارة الطبيب ليعالجوا أنفسهم بأنفسهم وطبعاً هذا يشكل خطراً على صحتهم"، مضيفة :"أمراض القلق تحتاج للعلاج النفسي وليس للدواء فقط. فلا يمكن ان يعيش الانسان وهو يعاني من مرض القلق لأنه يزيد من معدلات الكورتيزون، ويزيد من تسارع نبضات القلب، وبالتالي لا يمكن للانسان ان يعيش هكذا لفترة طويلة لأن ذلك يسبب له الإصابة بالقرحة في المعدة، ومرض الشقيقة (نوع من الصداع)، وأمراض نفسية وتزيد نسبة الادرينالين في الجسم. وقد يظل الانسان يعاني من امراض القلق لسنوات ولكنه يلجأ الى الأدوية الا ان ذلك ليس كافياً اذ عليه ان يخضع للعلاج النفسي لمساعدته ومعالجته من مرض القلق".
وحول الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة أضافت أن "أمراض القلق تصيب الناس في مختلف الأعمار والفئات، إذ أنها تصيب الصغار والكبار على حد سواء، النساء والرجال، كما أنها تصيب الغني والفقير إذ قد يعتقد البعض بأن الإنسان اذا كان يمتلك المال والممتلكات، فإنه لن يصاب بالقلق إلا أن ذلك مفهوم خاطئ، فالأمر لا يتعلق بالوضع المادي للشخص، وبالتالي الكل معرض للإصابة بأمراض القلق"، مشيرة إلى أن "هناك أمر مهم يجب التطرق اليه إلا وهو حالات الهلع. ولكن هذه الحالة تحدث دون ان يقدر الإنسان أن يتحكم فيها إذ يشعر انه لا يسيطر على الأمور. وعند إصابة الإنسان بحالات الهلع لا يقدر أن يعيش بدون أن يتناول الأدوية. ولكن اللبنانيين ومنذ سنوات طويلة وللأسف يتناولون الأدوية من تلقاء أنفسهم دون استشارة الطبيب النفسي وهذا يشكل خطراً عليهم لان أدوية القلق لا يمكن تناولها لفترة طويلة وبدون استشارة الطبيب، بينما أدوية الاكتئاب لا تدفع المريض للإدمان عليها كما هو الحال بالنسبة للأدوية المهدئة للأعصاب في حالة أمراض القلق. اذاً يجب ألا يتناول المريض أدويـــــة أمراض القلـــق مــن تلقــــاء نفسه لأنه يدمن عليها. أما مشكلة هذه الأدوية فتكمن في أن الضمان لا يغطيها وبالتالي يصعب على المريض تأمين الأدوية".
ونوّهت نجار إلى أعراض الهلع، مؤكّدة أن أهمها هي النوبات القلبية إذ يشعر المريض وكأنه تعرض لنوبة قلبية، كما يتصبب المريض عرقاً، ويشعر بالتنميل، ويشعر بخوف شديد إذ لا يخرج من البيت ولا يرغب بالمشاركة في المناسبات الاجتماعية وغيرها"، مضيفة: "أهم ما في الأمر هو أن يلجأ الإنسان الذي يعاني من أمراض القلق إلى الاسترخاء تماماً وتفادي المواقف والأمور التي تسبب له القلق خصوصاً في يومنا هذا حيث هناك ضغوط وتوتر بشكل كبير. وأحياناً أتمنى لو كانت هناك قناة تلفزيونية تقدم دروساً او وسائل لإزالة الهلع والقلق من نفوس الناس من حيث طريقة التنفس إذ هناك أناس لا يعرفون كيف يتنفسون بالشكل الصحيح والسليم، فعندما نتنفس بطريقة خاطئة نعرض أنفسنا لمشاكل عديدة، اذاً طريقة التنفس تساعد كثيراً في هذه الحالة. أن علاج القلق ضروري جداً ولا يمكن تجاهل الأمر، لأن الأفكار السوداوية تسيطر على المريض وتجعله قلقاً على الدوام. اذاً من افضل وسائل معالجة القلق هو التنفس بطريقة صحيحة، وأحياناً قد ترين في بعض المحطات الأجنبية كيف يعلمون الناس ان يتنفسوا بطريقة صحيحة نظراً لأهمية هذه الوسيلة للتخلص من التوتر والقلق. والطريقة الثانية هي تمرين العضلات لتصبح مرتخية اكثر، كما نطلب من المريض ان يتخيل نفسه انه في رحلة استجمام وان يغمض عينيه ويتخيل انه يستمتع بوقته في مكان جميل ومريح، ونسمي هذه الحالة الخيال المريح لأنه يساعد على تهدئة الشخص، وبالتالي كلما شعر بالقلق الزائد يمكنه ان يغمض عينيه ويتصور نفسه يقوم برحلة او استجمام، فهذا سيساعده أيضاً، يجب الا يستهين الناس بأمراض القلق لأن الإنسان الذي يعاني من القلق يتأثر كثيراً من الناحية الجسدية اذ يؤثر على كل أعضاء الجسم، وهناك دراسات تربط ما بين الإصابة بأمراض القلق والسرطان ولهذا ترين ان الرجال يموتون قبل النساء من حيث العمر لأنهم يقلقون كثيراً ويجدون أنفسهم في حالة من القلق الدائم ويتجاهلون الأمر ولكن يغيب عن بالهم أن للأمر تأثيراً سلبياً عليهم. كما أن الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلق يتعرضون لجلطات دماغية تؤثر على نشاط الجسم، فيشعرون انهم متعبون وغير نشيطين. والدراسات تفيد بأن أمراض القلق تسبب الإصابة بأمراض مزمنة نظراً لضررها وتأثيرها السلبي على كل أعضاء الجسم، وكثيراً ما يُردد الآن ان أمراض السرطان لها علاقة بأمراض القلق الطويل والمزمن. اذاً كل هذه الأمور يجب أخذها بعين الاعتبار وعدم تجاهل أمراض القلق وكأنها مسألة عادية ويمكن التعايش معها وننصح الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلق بأن يخضعوا للعلاج النفسي".