ذكرت مجلة تايم الأميركية أن توجهات الرئيس الأميركي باراك أوباما إزاء سورية تعكس رغبته في أن تنتهي أزمتها عبر المسار السياسي دون تدخل عسكري وهو أمر تراجعت الآمال في إمكانية تحقيقه حتى أصبح في حكم المنعدم . وقالت المجلة - في تقرير بثته بموقعها على شبكة الإنترنت - إن أوباما أمر بشن غارات جوية على ليبيا وقوفا إلى جانب معارضتها قبل عامين , معللا ذلك برفض الإنتظار لرؤية مشاهد المذابح والمقابر الجماعية هناك قبل اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنعها غير أنه اتخذ موقفا مغايرا بالنسبة لسورية التي سقط فيها بالفعل نحو 70 ألف قتيل , ولم يبد رغبة حقيقية في وقف المذابح في سورية عن طريق الإجراءات ذاتها التي اتخذها بشأن ليبيا. وأضافت المجلة أن أوباما قلص من حجم التدخل الأميركي في الأزمة السورية وجعله مقصورا على المساعدات الإنسانية في الوقت الذي تواردت فيه التقارير حول دور وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) في تدريب بعض العناصر المقاتلة من الثوار السوريين وتوجيه الأسلحة والإمدادات التي تقدمها دولا عربية سنية إلى الفصائل الثورية المعتدلة . وأوضحت المجلة أن الهدف الذي يسعى إليه الرئيس الأميركي بخصوص الأزمة السورية يتلخص في إنهاء الرئيس السوري بشار الأسد لحالة العنف السائدة في البلاد , وأن يتنازل عن منصبه مفسحا المجال لحكومة جديدة تتسم بالإعتدال , غير أن الوحشية التي يستخدمها الأسد تعكس رغبته في القتال حتى الرمق الأخير. كما أن تدفق الأسلحة من دول عربية إلى سورية فتح الباب أمام موجة من العنف قد يكون من الصعب احتوائها , خاصة في ظل تناحر الطوائف العرقية المختلفة هناك من أجل البقاء أو الوصول للسلطة. وأشارت المجلة الأميركية إلى أن الوضع السابق وصفه , والذي دفع المحللين للقول بأن المسار السياسي في سورية أصبح في حكم المنعدم , كثف من الجدال حول ما يجب على الولايات المتحدة وحلفائها فعله , وأدى لارتفاع غير متوقع لأصوات تطالب برد فعل أكثر حزما تجاه دمشق , ويشمل ذلك ما قامت به بريطانيا وفرنسا مؤخرا بطلب إنهاء الحظر الذي فرضه الإتحاد الأوروبي على توريد الأسلحة للمعارضة السورية. وفي السياق ذاته , تعالت أصوات في الداخل الأميركي تطالب بموقف حاسم من الأزمة السورية وانضم السيناتور الديموقراطي عن ولاية ميتشيجان كارل ليفين , والذي عرف بمعارضته الشديدة للحرب الأميركية ضد العراق للسيناتور الجمهوري جون ماكين في حث أوباما على فرض منطقة حظر جوي في شمال سورية مدعمة بهجمات جوية "دون أن تطأ أقدام أجنبية أرض سورية". ولم يتوقف الأمر عند مطالبات بريطانيا وفرنسا أو أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالتدخل لحل الأزمة السورية فقد شهد الصيف الماضي قيام وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون ورئيس (سي آي ايه) السابق ديفيد بتريوس بعرض خطة على البيت الأبيض تشمل تأهيل وتدريب وتسليح مجموعة منتقاة من الثوار المقاتلين في سورية , وهي الخطة التي أبدى رئيس هيئة الأركان المشتركة إلى جانب وزير الدفاع آنذاك ليون بانيتا تأييدهما لها , غير أن الخطة لم تلق قبولا من أوباما. وقالت المجلة الأميركية في هذا السياق إن أحد مساعدي أوباما أكد أن الرئيس الأميركي "يدرس كل خيار ممكن بشأن سورية" , غير أن منتقدي نهج أوباما يحذرون مما قد يحمله عدم التدخل في الأزمة السورية من تبعات لا تقل خطورة عن تبعات التدخل العسكري غير المدروس مؤكدين أن مجرد تسليح المعارضة السورية يضمن لواشنطن تأثيرا على سورية في مرحلة ما بعد الأسد فضلا عما سينتج عنه من وقف سريع لعمليات إزهاق الأرواح وسفك الدماء وإنهاء لحالة عدم الإستقرار التي تمر بها البلاد. وأضافت تايم إنه بغض النظر عن هذه الضغوط فإن دخول الحرب في المدن السورية هو أمر أشد صعوبة من القتال في صحراء ليبيا كما أن توريد الأسلحة للمعارضة السورية يقابله سيل من العتاد يتلقاه الأسد من حليفته إيران التي يخشى أوباما من أن يتسبب التدخل العسكري ضد دمشق في إذابة الطابع الدبلوماسي الذي تتسم به مفاوضات الغرب معها حول برنامجها النووي أضف لذلك أن المساعدات الإنسانية ذاتها لا تمر داخل سورية دون موافقة نظام الأسد , وهو ما يعني أن ما يصل منها للمعارضة هو القدر القليل. واختتمت المجلة تقريرها بالقول إن حملة أوباما كمرشح رئاسي في انتخابات 2008 شكلت صورته كمعارض قوي لما وصفه بالحرب المتهورة ضد العراق وحتى مع التدخل الأمريكي في ليبيا تعامل أوباما بعقيدة عدم التورط في حروب جديدة , مشيرة إلى أنه لم يرأس الولايات المتحدة لتوريطها في المزيد من الحروب في الشرق الأوسط بل ليخرجها من دائرة تلك الحروب.