دبي ـ جمال أبو سمرا
صدر عن منشورات دائرة الثقافة في الشارقة، السنة الجارية، كتاب نقدي للباحثة والشاعرة المغربية صباح الدبي، والموسوم ب"المتخيل الشعري: المفهوم والمرجعية والرؤى"، ويقع الكتاب في 220 صفحة ويأتي في سياق استراتيجية النشر التي تشرف عليها دائرة الثقافة بحكومة الشارقة بتنسيق مع دار الشعر بمراكش. ويسعى كتاب، الباحثة والشاعرة صباح الدبي، "المتخيل الشعري: المفهوم والمرجعية والرؤى" الى استقصاء مفهوم "المتخيل الشعري" وبحث أصوله النظرية ومرجعياته، متتبعة مسالك الرؤى القرائية في محاولة للإمساك بصيغ وتجليات مفاهيمية، خصوصا أن أسئلة المتخيل الشعري أمست في ديدن أسئلة الدراسات النقدية الحديثة. إن ما يقترحه كتاب الباحثة صباح الدبي، هو محاولة لإعادة النظر في صيغ المفهوم، وكيف تمت دراسته وتقديمه في محاولة لفك شفراته الدلالية والتداولية، مع الوعي بما يفتحه من شمولية في بنيته الداخلية ورؤيته الاستشرافية.
وتبدو أهمية إصدار كتاب، يتناول مفهوم المتخيل الشعري، من خلال مرجعياته ورؤاه، وأيضا في محاولة لضبط مفاهيمي، خصوصا مع حقل الشعريات ونظريات الخطاب وما تفتحه من آفاق قرائية جديدة. ولعل بلاغة الاستقراء تكمن في ربط "المهاد النظري"، في مراجعة تقع ضمن سياق "نقد النقد"، كي تنطلق الى مستويات استقرائية ومقاربة لمتون نصية شعرية عربية. إن هذه الفاعلية والنزوع القرائي هو ما يجعل من محاور، هذه الكتاب، سعي حثيث لاستنكاه آليات وطرائق اشتغال هذا المتخيل الشعري ضمن أنماط ربط، المفهوم نفسه، بالمنجز النصي المتحقق والذات الشاعرة ووجودها الترميزي.
يتجه كتاب الباحثة صباح الدبي الى ماحلو تبني أطروحة، تشتغل نظريا في رهان "على مقاربة الإمكانات المعرفية والمنهجية التي يمنحها المُتخيَّل، والتي تتجاوز المنزع البلاغي والبُعد الاستعاري، (...) لما كان موضوع هذه الدراسة مرتبطا بالإحاطة بالإطار النظري للمُتخيَّل الشعري في انتظار تطبيقاته مستقبليا على المنجز الإبداعي، فقد كان لزاما علينا إثارة الإشكالات التي يطرحها هذا المفهوم من خلال إثارة أصوله المفهومية وجذوره اللغوية وأشكال تداوله". إن هذا المنحى، هو ما سعت الدراسة الى تتبع وضع المتخيل الشعري في "خطابات أخرى"، في سياق البحث عن علاقته بالأثر الشعري.
ونظرا للتحولات المستمرة، التي خضع لها مفهوم "المُتخيَّل الشعري"، فقد آلت الباحثة أن ترصد وتستقصي كافة أشكال التعريفات للمفهوم، بحثا عن شعرية المُتخيَّل، وهو ما يفتح راهنا على فاعلية حيوية، تجعل هذه الدراسة محاولة إحاطة وتحديد إطار نظري لمفهوم المُتخيَّل الشعري. ولعل التشكيل النصي للقصيدة الشعرية، عبر ما تثيره من أنساق لغوية، هو ما يجعل من صور وأنماط "المتخيل الشعري" كائنا جوهريا في الاقتراب من بلاغة النص الشعري. وعيا بما يطرحه، سياق التوجه نحو: مناطق الإيجاز والتكثيف والرؤى المغايرة للمعنى والإيحاء واستراتيجيات التشكيل البصري واللغة.
هذا النزوع من المتخيل الجمالي الى الشعري، الى جماليات ما يطرح النص الشعري في الأساس، من دلالات رؤيوية ومنهجيات في طرق التوليد النصي والاستعاري. إن شعرية المتخيل، بما تقترحه عوالم النصوص الشعرية، يفيدنا في رصد شبكات من العلاقات، بين اللغة وذات الشاعر وكينونته واللغة والأفعال والعلاقة بالأشياء وأسئلة البعد الأنطولوجي. وهكذا يصبح المتخيل الشعري، باب آخر، للانفتاح على مقاربات النص الشعري ورصد مكامن إخصابه. ولعل قدرة الشعر، في إعادة "صياغة العالم" واعتماد على كافة ال"شعريات"، وفقا لما يتغياه الشاعر أفقا لنصه، وبالإضافة الى أنماط الصورة الشعرية، كحركة فاعلة في النص بمرجعياتها الحداثية والتي تستمد قوتها من مرجعيات مختلفة، هو ما يعطي لمفهوم "المتخيل الشعري" هذا الامتداد في الدلالة والتعدد، سعيا الى تشكيل جديد للمتخيل الشعري.
كتاب الباحثة والشاعرة، صباح الدبي، يقع ضمن هذه المساحة "نقد النقد" في محاولة لمقاربة وإضاءة مفهوم المتخيل الشعري، والبحث في أنماط مراجعاته، قديما وحديثا. لكنه يطرح، في نفس الآن، إشكالا يتعلق بمفهوم إجرائي حديث الاستقراء والمقاربة في مجال الدراسات والأبحاث النظرية. الى جانب ارتباطه، المفاهيمي، بمرجعيات معرفية وهو ما دفع الى تعدد إبدالات المفهوم وتقاطعه مع مكونات من سياقات مختلفة، بحثا في أنماط المقاربة عن الجوهر التخييلي للشعر.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
حضور وازن للسينما المغربية في مهرجان الفيلم الدولي بمراكش
الناقد سعيد يقطين يفتتح "محاورات" لحظة حوارية معرفية لدار الشعر في مراكش