مراكش ـ ثورية أيشرم
أكّدت الكاتبة المغربية لطيفة البصير في حديث خاص لـ"مصر اليوم"، أنّ "اشتغالي في مجموعتي القصصية الجديدة تحت عنوان "عناق" كان على نساء كتبن سيرهن الذاتية أمثال المصرية نوال السعداوي في ثلاثيتها "أوراقي…حياتي"، والفلسطينية فدوى طوقان في سيرتيها "رحلة جبلية …رحلة صعبة"، والمغربية ربيعة السالمي في سيرتها "الجلادون" وأخريات، كان لديهن هاجس البناء الأسري للطفولة، بحيث أنهن يبتدئن من الصنع نفسه وكأنهن يبنين هذه الرواية الأسرية الأولى التي خلقت منهن نساء والتي أدت إلى التفرقة بين رجل وامرأة".
وأوضحت البصير، "نحن نعرف بأن هذه التفرقة بين الجنسين هي كائنة ولكننا في الكتابة، نجد أن بعض الكاتبات يصغنها بنوع من التزوير وكأنهن يلدن رواية أسرية جديدة للتفاعل مع القارئ المفترض وللتأثير عليه بل لتحويله بالمعنى النفسي من وضع لآخر".
وبينت البصير، "أن كتابة الذات تدخل في الأدب الشخصي وهو اختيار شخصي، لكنه يصبح ضحية للجنس الذي ينتمي إليه الكاتب لأن الانشغال الأول لدى المرأة هي هذه الطفولة التي اعتورت طريقها العديد من العقبات والتي آلت إلى نتائج عكسية".
وتابعت البصير، أنه "في نظري لا يكمن الفرق في اللغة التي تكتب بها المرأة سيرتها الذاتية وهذا ليس حكمًا نهائيًا لأن هناك سير نسائية كتبت بشكل مباشر، ولكن في أغلب السير الذاتية النسائية التي اشتغلت عليها، تنسج اللغة بشكل محمل بالاستعارات والدوران وأساليب التهوين والتحوير والصوغ غير المباشر بحيث نجد السارد المراوغ الذي يكذب بصدق والذي لا يريد الحديث بطرق مباشرة، ولذا فإن ضمير المتكلم في السير النسائية هو ضمير لا يعود على الكاتبة ولكنه يعود على الساردة التي تحكي وتتكلم عن عوالم افتراضية تبنيها ومن خلال ذلك نجد العديد من الثنائيات اللغوية بين الأنا التي تكتب والأنا الأعلى الذي يضغط على الجمل والكلمات ويمنحها تكثيفًا لغويًا في حاجة إلى تأويل آخر، وأعتقد بأنه إشكال عام في السيرة الذاتية لأنها تنحو نحو التخييل الذاتي وتنحو إلى المزاوجة الممتعة بين خطاب الحقيقة وخطاب الجمال".
وأشارت الكاتبة إلى، أنّ "المجموعة القصصية "عناق" جاءت نتاج مجاميع قصصية كتبتها وهي "رغبة فقط" و"ضفائر" و"أخاف من"، وهي تخلق علاقة مكتملة لأن الرغبة فقط تشكلت منذ البدء في نصوصي وهي علاقات وشخوص لا يتواصلون مع العالم ولكنهم يبنون حلمهم في الواقع ويظل هذا الحلم ناشدًا للوصول دون أن يصل ويعاني من ذلك التعب الذي لا يجعله يتواصل مع الأشياء والأشخاص والأحلام "، مؤكدة "أرى بأن كتابتي تقف في هذه الزاوية، أي أنها تريد أن تصل إلى الآخر البعيد الذي يبعده الواقع دوما والذي تبنيه الشخوص عبر حلمها الصغير منذ رغبتها الأولى، ولي علاقات خاصة بالزمن الذي تعيشه الشخوص، وهي شخوص مؤنثة ومذكرة أيضًا، لأنني أكتب من خلال الجنسين، فملهمي يمكن أن يكون رجلاً أو تكون امرأة لا فرق لدي في الكتابة".
ونوهت البصير، أنّ "ترشيح مجموعتي إلى جائزة "الشيخ زايد" هي إضافة لي، و الأكيد أكثر أنها شيء جميل بالنسبة للأدب المغربي ككل، لأن القصة القصيرة هي من الأجناس الجميلة والصعبة، وهي عوالم متعددة واشتغال على شخوص كثيرة ومواضيع مختلفة تجمع بينها تيمة واحدة ضمن عمل واحد، وينبغي أن ننظر للموضوع من هذه الزاوية لأن القصة القصيرة هي عالم في حاجة إلى أن يتم الاهتمام به بشكل كبير جدًا، خاصة وأن هناك تراكم كمي وكيفي، وهناك كتاب عديدون يكتبون القصة القصيرة وهي كجنس أدبي فرض نفسه على مستوى الإبداع وعلى مستوى النقد".
وألمحت لطيفة إلى، أنّ "إشكال التسويق، وهو وضع يعيشه العديد من الكتاب، وأنا كسولة نوعًا ما في هذا الجانب، أشعر في كثير من الأحيان أن التسويق هو أمر ينبغي أن يكون من مسؤولية الناشر، ثم نادرًا ما أقوم بتوقيع، فبمجرد ما ينتهي العمل أمر لأفكر في عمل آخر ، وحين نتحدث عن القراءة، هناك طبعًا القراء المحترفون الذين يبدعون هم أيضًا وهم يقرؤون لبعضهم البعض، ولكن هناك أيضًا إشكالية كبرى وهي أن القراءة تراجعت إلى الخلف كثيرًا".
وذكرت لطيفة، "نحن نجتاز مرحلة صعبة أصبحنا نرى فيها الطلبة أنفسهم لا يرغبون في أن يقرؤوا كتابًا واحدًا، فما بالك بالآخرين، ما جعل الأمور تزداد تقليصًا، وهذا يساهم فيه أيضًا عصرنا الحالي الذي بدأ يراهن على السطحية والصور والإشعاع الفارغ، إضافة إلى أن القراءة هي التي تأتي في المرتبة الأخيرة في التشجيع، فهناك إيمان ينشأ مع الأطفال أن القراءة والدراسة لم تعد تجدي نفعًا وهذا فعل يتراكم ونحن نزيد الأمور استفحالاً حين لا يساهم الإعلام مثلاً في إعطاء الاهتمام الكبير بالثقافة سواء عبر حضور الكتب كجزء هام ضمن البرامج، وليس كهامش بعد كل برامج التسلية، أكيد لو أعطينا أهمية لمشروعية القراءة والكتابة حتى على المستوى المادي، سنراهن على أجيال تقرأ أكثر".
واختتمت الكاتبة حديثها، أنّ "الإبداع ليس بعيدًا عن واقعه، وكل التيمات تنبع من الواقع، وتتطور من خلال لغة أخرى يكمن فيها بعد الإضافة، إن الأدب يضيف أشياء أخرى إلى لغة اليومي وإلا سيكون محض تكرار ونسج لما يوجد عليه الواقع"، مبينة أنّ "للأدب أحاسيس أخرى والأكيد أنني أشعر بما يحدث وأعيش في الكثير من الأحيان حالة من الارتباك والقلق والتساؤل وتتأثر شخوصي أيضًا بالعديد من المواضيع التي تهمني وتهم مجتمعي مثل الهجرة والبطالة والشذوذ الجنسي والدعارة والحب والجنس والفقر والإنسان بشكل عام، وهو يحلم أو يقلق أو ينهار أو يعاني من الاضطراب الذي لا يعرف مصدره"، متابعة "إن الأدب يسأل ويتوتر ويرحل ويكتب عالماً آخر، وهو حالم أردنا أم لم نرد لأنه يبني لغة أخرى وأنا في حاجة إلى حفره، لأنني منها أصعد".