القاهرة – إيمان إبراهيم
بيّن الخبير الأمنى اللواء محسن عبدالراضى بعض ملامح الفلسفة الأمنية التى يعتمد عليها وزير الداخلية الجديد مجدى عبدالغفار الذى تولى مهام منصبه الخميس الماضي.
وأوضح اللواء عبدالراضي، خلال حواره مع "مصر اليوم" أن "وزارة الداخلية تعتبر أكثر المؤسسات الرسمية "غموضًا" وأهميه وخطورة على الأمن القومي المصري، وخصوصًا فى الفلسفة الأمنية لكل من اعتلى عرش الوزارة السيادية الكبرى ، لافتًا إلى أن الوزير الجديد اللواء مجدى عبدالغفار خريج مدرسة الأمن الوطني، ففلسفته الأمنية لن تكون واضحة منذ بداية عهده، وقد تتكشف فيما بعد، وربما لا تتكشف نهائيًا حسب القرارات التى يدرسها .
وأضاف اللواء عبدالراضي أنه هناك الكثير من المتابعين لا يعرف أهمية وزارة الداخلية على الأمن القومي، لافتًا إلى سقطوها خلال عام 2011 تسبب فى صدع لازالت أثاره تؤثر سلبًا على المصريين، لافتًا إلى أن إقالة وزير الداخلية ارتبط دائما بالأحداث الجسام، كمذبحة السائحين فى الأقصر عام 1997، التى أقيل بسببها اللواء حسن الألفي، وتولى بعدها اللواء حبيب العادلي مدير مباحث أمن الدولة آنذاك، أو كتمرد الأمن المركزي عام 1986، وأطيح ككبش فداء لها اللواء أحمد رشدى.
وعن الأزمات التى واجهت وزراء الداخلية في تاريخ مصر خلال السنوات الماضية، قال الخبير الأمنى فى حواره "الأولى أزمة سيناء، تلك المحافظة التى شهدت تاريخًا مروعًا من التفجيرات، ولعلنا نذكر تفجيرات طابا فى 2004، التى استهدفت فندق هيلتون طابا، وكذلك تفجيرات شرم الشيخ عام 2005، ثم دهب والجورة عام 2006، ثم تفجير السور الحدودي فى 2008، ثم أصبحت أرض الفيروز موطنًا للتنظيمات الإرهابية خلال العامين الماضيين".
كما بيّن أنه "بخصوص ملف الإخوان، وفيه تكون رؤية واتجاه رئيس الجمهورية، هى الغالبة. فالسادات اختار التعاون ثم المواجهة، أما مبارك فأعطى الجهاز الأمنى حرية فى التعامل معهم، ربما حاول أن يتلافى الخطأ الشنيع الذى وقع فيه السادات الذى كان يدير هذا الملف بنفسه. وربما أراد أن "يريح دماغه"، حسب تعبيره، لكنه فى الوقت ذاته، أمل أن يستخدمهم كتيار ديني معتدل لمواجهة الجماعات المتطرفة، فسمح لهم بالدخول فى انتخابات 1984 و1987 على قوائم بعض الأحزاب، فضلًا عن إعطائهم حرية الحركة داخل النقابات وفى الجامعات".
وأضاف: "كانت العلاقة بين الأمن والإخوان على ما يرام فى بداية الألفية الجديدة، ووصلت إلى ذروتها فى 2005، عندما حصل مرشحو الجماعة على 88 مقعدًا فى البرلمان، إلا أن هذه العلاقة سرعان ما أخذت فى التدهور فى نفس العام، بدءًا من مؤتمر دعت إليه الجماعة لإلغاء حالة الطوارئ، مرورًا بالعرض العسكري الذى قام به طلاب الإخوان فى جامعة الأزهر، انتهاءً بموقف الإخوان من حصار غزة".
ولفت النظر إلى أن "الأزمة الثالثة كانت تمرد الأمن المركزي، التى غيرت فى المفهوم الأمني فى الدولة، وما حدث فيها باختصار، أنه فى السادسة من صباح 26 فبراير 1986، أعلنت أجهزة الإعلام المصرية عن فرض حظر تجول فى منطقة الأهرامات بالجيزة، اعتبارًا من السادسة صباحًا، بسبب تمرد المجندين بقطاع الأمن المركزي بالمنطقة. وفى الثانية والنصف بعد الظهر كانت دبابات القوات المسلحة ومدرعاتها منتشرة فى الشوارع الرئيسية، لحماية الأرواح والممتلكات. بعدها أعلن التليفزيون الرسمى قرار إغلاق المدارس والجامعات فى مدن القاهرة والجيزة والإسكندرية وأسيوط وسوهاج".
كما أوضح: "التضليل كان السمة الرئيسية فى إعلام النظام السابق، فقد أعلن الوزير السابق صفوت الشريف، أن الأمن مستتب، وتم تعيين قائد جديد للمنطقة العسكرية بأسيوط، وحاكم عسكري للمحافظة ، ولم يستطع الشريف إخفاء تمرد جنود الأمن المركزى، معلنًا أنه تم تبادل إطلاق النار بين المجندين فى الأمن المركزي وبين الوحدات العسكرية التابعة للقوات المسلحة بمنطقة منقباد بأسيوط، فيما تكرر تبادل إطلاق النيران فى منطقة الهرم، وعلى طريق الإسكندرية الصحراوي".
وأضاف: "كانت الصحف الرسمية كعادتها الآن، تنشر الأكاذيب دائما، فزعمت أن "شاويش السرية" فى قطاع الأمن المركزي بالهرم قرأ عليهم منشورًا بزيادة مدة تجنيدهم عامًا رابعًا، فخرجوا من المعسكر فى حالة هياج وثورة وأشعلوا النيران فى الفنادق والمحلات المجاورة لشارع الهرم، ولكن لم يفسر التحليل السابق، سبب خروج قوات الأمن بأسيوط وسوهاج، فى وقت واحد مع قوات القاهرة والإسكندرية والجيزة، خصوصًا وأن الموبايل لم يكن له وجود فى هذه الفترة".
وتابع الخبير الأمني مستطردًا: "كشف الصحف عن أن الواقع الذى يعيشه جنود الأمن المركزي، من انحطاط فى خدمات الإعاشة والملبس، وتشغيلهم فى أعمال شاقة، هي السبب فى ثورتهم وتمردهم، فيما تحاشت تماما ذكر اللواء أحمد رشدي، وزير الداخلية وقتها، الذى تم التضحية به فى ذلك الوقت".
واختتم: "أخيرا حادث تمرد الأمن المركزي ألقى بظلاله على عملية اختيار وزراء الداخلية فيما بعد، وكان نقطة الفصل بين مدرستين من مدارس الأمن فى مصر "مدرسة أمن الدولة، ومدرسة الأمن العام"" لافتًا إلى أنه فى كتاب مهم بعنوان "الأمن من المنصة إلى الميدان"، لحمدي البطران، يفرق المؤلف الذى انتمى للجهاز الأمني لفترة، بين الوزراء الذين ينتمون إلى مؤسسة أمن الدولة، ومنهم الوزير الجديد اللواء مجدي عبدالغفار، وسلفه اللواء محمد إبراهيم، فيؤكد أن الطابع الرسمى يغلب عليهم فى التعاملات، ويميلون دائمًا إلى التقارير المكتوبة، كما أنهم يميلون إلى تجميع المعلومات، كما أنهم يميلون لأهل الثقة دون أهل الخبرة، ما يساعد على نمو "الشللية"، وهم يستمعون أكثر ما يتكلمون. قراراتهم بطئية لكنها حاسمة".
وشدد على أن الوزراء الذين ينتمون إلى مدرسة الأمن العام، هم كل وزراء الداخلية بعد حادث الأمن المركزي فى 1986 حتى جاء حبيب العادلي، وهم من العاملين فى حقل الأمن الجنائي. يميلون إلى الواقعية ويتفهمون نبض وحركة الشارع، ويحسنون التعامل مع الآخرين، لخبرتهم العالية فى التعامل المباشر مع الجماهير.