القاهرة – عصام محمد
مرت 4 سنوات، على فجر يوم الرابع عشر من أغسطس/أب 2013، فجر يوم جديد، اعتبره كثيرون بأنه غيّر وجهة البلاد، وأعادها من الاختطاف، نظير فداء ودماء سالت من رجال الشرطة، بعدما بات فض منطقة رابعة العدوية في مدينة نصر من أنصار جماعة الإخوان -المسلح بعضهم - أمرًا ملحًا لاستقامة الأمور، عقب أن فشلت الوساطات لانصرافهم إلى منازلهم بدون مواجهة.
غيّر ذلك اليوم مصير النقيب رامي أيضًا، وحفرت الساعات الأولى من ذلك اليوم على جسده علامات بارزة، ربما جعلته أسيرًا لكرسي متحرك، لكن اعتبره وسام شرفٍ على صدره، بجانب وسام آخر وهو إلقائه كلمة أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، خلال احتفال تخريج دفعة جديدة من طلبة كلية الشرطة يونيو/حزيران الماضي، والذي أكد أمامه ان إصابته كانت في ساحة شرف.
ويروي النقيب رامي جمال في مقابلة مع "مصر اليوم" ساعات الفض الأولى، التي بدأت بإنذارات تطلق عبر مكبرات تطالب الجميع بالانصراف عبر الممرات الآمنة، وانتهت بأصوات طلقات رصاص دوت في المنطقة تحت غبار كثيف من أدخنة حرائق شبت إثر المواجهات.
يقول رامي : يوم 13 أغسطس/أب بالليل، عرفنا أننا سنفض الميدان في الصباح، حتى تعود عجلة البلاد إلى السير مجددًا بعدما توقفت أحوال الناس هناك في رابعة، فجرًا تجمعنا وانتهينا من مراجعة الخطة، وحددنا ممرات الخروج الآمن للمعتصمين، شددت علينا القيادات بضرورة الالتزام بأقصى درجات ضبط النفس، وتأمين ممرات الخروج الآمن وتيسير خروج المعتصمين، لكن سرعان ما تبدلت الأمور على الأرض.
يضيف رامي كانت خدمتي في مجموعة عمل أمام "بنزينة" شارع عباس العقاد، تمركزنا هناك في السادسة صباحًا وأطلقنا إنذارات تطالب المعتصمين بالخروج، وتعهدنا لهم بخروج آمن، لا أحد كان يريد العنف، وبالفعل عدد كبير منهم بدأ في الخروج من المنطقة سالمًا. ويتابع – الملازم أول رامي حينها - : "بدأ علينا إلقاء الطوب والحجارة، وبدأنا نرد بقنابل الغاز المسيل للدموع، تطور الأمر لرصاص الخرطوش، وكثفنا من الرد بقنابل الغاز، وبالفعل نجحنا في إحراز تقدم على الأرض حتى وصلنا إلى مقر مرور مدينة نصر، تزامنًا مع استمرار خروج الناس آمنين بعد الخضوع لإجراءات التفتيش، بدون أن نقبض على أحد.
ويستطرد – النقيب رامي الضابط في قطاع الأمن المركزي – : "فجأة على حوالي الساعة التاسعة صباحًا، بدأ إطلاق الرصاص الحي علينا، وسقط جريحًا عددًا من الضباط والمجندين، وكانت لدينا أومر بالتعامل مع أي مطلق للنار، أو حامل لسلاح ناري، مع التأكيد علينا بالتعامل بحذر، كنا نعلم أن هناك أطفال داخل المنطقة". ويضيف الضابط المصاب : "كانت هناك مدرعة في المقدمة، يقف عليها ضابط زميل لي، وأصيب في ذراعه، وأنزلناه منها، وصعدت مكانه، لم تمر خمس دقائق حتى شعرت بأن جسمي توقف عن الحركة، لم أعد قادرًا على حمل السلاح أو رفع ذراعي أو تحريك قدمي، وكنت فاتح عينيا أسمع زملائي ينادون عليا، لكن لم أستطع الرد عليهم ولم أعرف أين أصبت، حتى استطاعوا إنزالي من المدرعة، ونقلي عبر سيارة إسعاف إلى مستشفى الشرطة في مدينة نصر، حينها دخلت في غيبوبة".
يوضح : "أصبت برصاصة نارية في رقبتي، جاءت من منطقة عليا بجوار مسجد رابعة مباشرة، ووافقت الوزارة على سفري إلى لندن للعلاج". ويقول رامي : "عام ونصف ظللت في لندن، وبرفقتي والدتي، التي تركت عملها وقدمت على أجازة بدون مرتب، من عملها في وزارة المالية، ورافقتني طوال المدة هناك، قالت لمن حولها : "رامي أهم من كل شيء" رافقتني هناك بدون نزول إلى القاهرة نهائيًا، أطرافي كاملة لم تكن تتحرك، سوى رقبتي، ساندتني أمي وراعتني، رغم حالتي النفسية السيئة حينها، وقفت بجواري وتركت والدي بالمعاش وجدتي وأخي هنا في مصر".
ويضيف : " كنا في غربة لوحدنا، وطريقة التواصل مع أسرتي هنا كانت "فيسبوك" و"سكايب"، لكن الوزارة لم تتأخر عني في شيء، أي طلب كان يُنفذ، أي أجهزة يتم إحضارها لي، وتلقتنا السفارة المصرية هناك بحفاوة ودعوني إلى حفلة 6 أكتوبر، وأحضروا لي سيارة مجهزة لنقلي إلى السفارة".
وعن خطيبته إبان الحادث يقول رامي : "فرحي كان يوم 22 أغسطس/أب بعد الفض بأسبوع، وعندما عدت إلى البلاد بعد رحلة العلاج في لندن، تزوجتها، رأت أيام صعبة معي، ولم تتخل عني لحظة واحدة".