دمشق - سانا
يتضمن كتاب من حديث الشعر للأديبة الدكتورة نجاح العطار ملامح أدبية عن عدد من الشعراء الذين تألموا مع شعوبهم وتجاوزوا ما ألم بهم من محن حبا بأوطانهم إضافة إلى مقاربات فكرية علقت خلالها الأديبة العطار على تداعيات هؤلاء الشعراء بأسلوب أدبي رفيع المستوى يسمو إلى قصائدهم وأحيانا يتخطى بعضها بامتياز.
لقد حاكت وقابلت الأديبة العطار في كتابها الصادر حديثا عن الهيئة العامة السورية للكتاب بعض الشعراء الذين انتقتهم من خلال اعتمادها على التفسير النفسي الاجتماعي فكان الشعراء المنتقون حقلا لاستقرائها لمعالم صورة المكان وما تحمله من قيم دلالية أكثر التصاقا بالمجتمع انعكست في نمطها التعبيري فرصدت تحولات الشعراء الذين كانوا يعيشون بين أهليهم وناسهم .
وحرصت العطار خلال اهتمامها بالمكان عند الشعراء على أن تدرك قيمة الزمان الذي أرادت أن يكون مستعدا للتعامل معهم ومع ابداعاتهم التي كونوها من روءى ظهرت عند الكاتبة عبر ما ذهبت إليه نتيجة ما المت به من ثقافات عربية وغربية أضافتها إلى خيالها حسب ما يتوافق مع منظومتها الإبداعية كما جاء في محاكاتها لأدب الشاعر وصفي القرنفلي الذي رأت فيه مخايل وسلطان التقليد بشكله الأكثر عفوية والأقل صنعة والعمل العبقري الذي يجسد فصاحة النتاج الكلاسيكي ويقرب بروعته من النموذج القائم في ذهن المثقفين لشعر المتنبي وأبي تمام قديما وأحمد شوقي وحافظ ابراهيم حديثا.
وركزت العطار في كتابتها عن الشعراء على سلوكهم الشعري الوطني والذي عانى أصحابه وطأة الاحتلال فتبنوا موقف المقاومة كخير الدين الزركلي الذي وصفته بشاعر الوطن والغربة والحنين والذي تصدى في شعره لوطأة وقسوة الاحتلالين العثماني والفرنسي اللذين حاولا النيل من حياته بسبب استنهاضه للهمم العربية فحكم بالإعدام مرتين واضطر للرحيل حاملا معه أرضه ووطنه ومن وحي ذلك تمكنت من تكوين ألفاظها ومفرداتها في اطارها الرمزي والدلالي التي استعارتها من واقع المأساة فتكونت في مخيلتها كلوحة تشكيلية تعبيرية حيث كتبت.. “حكمان بالإعدام في سنوات خمس.. وماذا يهمه فالذي اقتحم عالم الشعر من باب النضال.. وانطوت في روءى شبابه احلام الحرية والنهضة والتقدم ..كان يؤمن بأن الإنسان لم يخلق ليقهر وأن القوة اي قوة عاجزة عن قهره”.
ورأت العطار في محاكاتها لعبقرية الشاعر محمد مهدي الجواهري ولشعره أن حضور الإنسان في شعره بشكل ساطع الدلالة حالة تثير التقدير والاعجاب حيث رصدت توهج المشاعر عند الجواهري لتقدم عملا بنيويا أدبيا يقابل المعاني التعبيرية لديه فكتبت.. “إن العبقرية تتغذى من اهتمامات النفوس المعاصرة ونضالاتها وطموحاتها ومن فعلها وحركتها حين تجد نفسها في غمار صراع عظيم تشارك فيه ليغدو الشاعر كالمقاتل يكتب تاريخا .. يكتب بالدم والحبر دم”.
ووقفت العطار في كتابها أمام شاعر أمريكا اللاتينية الأهم بابلو نيرودا الذي عرف بشاعر الشعب واعتبر بإجماع واحد من أكثر كتاب القارة اللاتينية جدارة بالاحترام لما عرف عنه من شجاعة المواقف باعتباره حمل راية الكفاح على امتداد كوكبنا وذلك في مجال سعي الكاتبة للاهتمام بأصحاب المواقف الانسانية الذين دافعوا عن كرامة الانسان وشرفه حيث خرجت في مقابلتها النصية والادبية لبابلو نيرودا بأن النزعة الانسانية الجماعية هي أهم ما يكون في الشعر لندرك أن القيمة الانسانية جوهر القيمة الجمالية عبر أداء وتعبير فنيين يكتسبان قيمتهما في الشعر من خلال المضمون الوجداني والانساني والاخلاقي فكتبت.. “ارتبط بابلو نيرودا بالطبيعة ارتباطا عضويا وانتمى ببراءة الدهشة لطفل اتسم بالرهافة والشاعرية.. انبتته غابات تشيلي الصامتة والعطرة في مجاهلها السحرية ..ودروبها السرية..وخرج من أحضانها كي ينطلق مغنيا في أنحاء العالم”.
وجسدت صاحبة كتاب /كلمات ملونة/ حالة السبق التصوري لعلاقة الشاعر بالبيئة واستخدام التعليل العلمي للإلهام بأسلوب خطابي مفعم بالدلالات والايحاءات التي ربطت بينها مؤدية تشكيلا فنيا مقابلا لشخصية الشاعر المكونة من بيئته وطبيعته وثقافته وجذوته الوطنية والانسانية حصرا كما فعلت عندما كتبت عن بدوي الجبل محمد سليمان الأحمد فكان نصها وحدة موضوعية تتضمن شكلا ومضمونا جاءت الحداثة فيه من خلال الحركة الفنية التي حولت الكاتبة فيها الكم الذي التقطه خيالها إلى الكيف بشكل قابل لمحاكاة ومناظرة الشاعر بدوي الجبل ومنه.. “البدوي كان ترجمانا للدنيا ..من دنيا الذات إلى دنيا المشاعر.. فتجاوز بذلك دور الوسيط الناقل.. إلى دور البشير والنذير ..يقرأ لنا في الغيب ويأخذ بنا في دروبه ..ويشق لنا حجبه ..مبديا من الروءى العظيمة ما يحكي لنا قصة التاريخ وهذا الترجمان الذي كانه البدوي عن الذات الإنسانية والوطنية.. اقتضاه حياته كلها أن ينفعل تحت جلد هدوئه الظاهر.. أقسى الانفعال”.
ويبدو أن الأديبة العطار عندما جاءت كتاباتها عبر التغيرات الكمية للألفاظ المخزونة في ذاكرتها استطاعت أن تنافس الشعراء في الانفعال الوجداني الحار فتحولت كلماتها إلى مفردات شعرية وظواهر فنية متألقة دلت على قدرة تصويرية هائلة وشخصية خطابية مذهلة .
وفي الكتاب محاكاة لشعراء آخرين لم يقلوا أهمية عن هوءلاء المذكورين مثل عمر أبو ريشة ومحمد كامل صالح ومصطفى جمال الدين وأمين نخلة وغيرهم.
كما تضمن الكتاب الذي يقع في /479/ صفحة من القطع الكبير المشاركات الأدبية للدكتورة العطار في حفلات التأبين والتكريم لشعراء حققوا حضورا مهما على الصعيد الادبي مثل /عبد الوهاب البياتي/ و/عبد الله يوركي حلاق/ و/بلند الحيدري/ و/معين بسيسو/ دون أن تقترب من أي أدباء وصموا بخيانة الأوطان لتجسد في كتابها مواقف النضال ولتزرع بذور الأمل في نسيج فني متسلسل ومتشابه ومتكامل وبألفاظ أخذت المتلقي إلى /مي زيادة/ في العصر الحديث و/الأحنف بن قيس/ في العصر القديم وغيرهما ممن امتهنوا الخطابة والفصاحة وأبدعوا فيها كما أبدع غيرهم بالشعر والاجناس الادبية الاخرى.
يذكر أن الأديبة الدكتورة نجاح العطار شغلت منصب وزيرة الثقافة في الجمهورية العربية السورية وهي الآن نائب رئيس الجمهورية للشوءون الثقافية كما نالت عددا من الأوسمة الرفيعة أهمها وسام الصداقة بين الشعوب الممنوح من رئيس مجلس السوفييت الأعلى لاتحاد الجمهوريات السوفييتية سابقا ووسام الثقافة البولونية من حكومة الجمهورية الشعبية البولونية ووسام الاستحقاق برتبة الضابط الكبير من الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران ووسام السيدة العظيمة من فرسان مالطة .
ومن مؤلفاتها /حافظ الأسد الذي صنع التاريخ/ و /نكون أو لا نكون/ كتاب طرح القضية الفلسطينية وتداعياتها و/النسيج الثوري بين آذار وتشرين/ و/أدب المعركة أيام حرب تشرين.. قصص/ بالاشتراك مع الأديب حنا مينا ومؤلفات أخرى في الفكر والمقالة