التنقيب عن الآثار

ابتلي جسد المجتمع المصري، خلال العقد الأخير، بالعديد من الأمراض والفيروسات، والتي زادت حدتها خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، والتي لم تكن سائدة من قبل، وإنما وجدت من الظروف، مناخًا ملائمًا لها، نتيجة للاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد، وما صاحبها من انفلات أمني وأخلاقي.

ومن بين هذه الأمراض، انتشار الغش والخداع والاستغلال، وغياب المرؤة والشهامة والجدعنة، وتفشي ظاهرة الانتحار والتحرش والاغتصاب، غير أن واحدًا من أبرز هذه الأمراض التي أصابت قطاع عريض من المواطنين في مصر، ولم تُفرق بين متعلم أو جاهل، هو التنقيب عن الآثار، والذي أصبح هوسًا يُسيطر على عقول المصريين، ويراود أحلامهم في الصباح والمساء، أملًا في تحقيق الثراء أي كانت مشروعيته.

والمُتابع جيدًا لصفحات الحوادث في الصُحُف المصرية، وسيصاب بالدهشة والحسرة والألم، على ما وصل إليه حال المواطنين في مصر، فلا يكاد يمر يومًا من دون أن تضبط الأجهزة الأمنية، في مختلف المحافظات، وقائع للتنقيب عن الآثار. وعلى الرغم ما يُصاحب التنقيب عن الآثار، من مخاطر جمّة، والتي غالبًا ما ينتهي "حلم" العثور على قطعة آثرية، من أجل بيعها بملايين الجنيهات، على كارثة مفجّعة، يروح ضحيتها أصحاب هذا الحلم. وفي محافظة الفيوم، توفي فلاح إثر انهيار جدار منزل فوق رأسه في قرية سيلا أثناء تواجده في حفره عمقها 6 أمتار للتنقيب عن الآثار.

 وتعود تفاصيل الواقعة إلى مساء يوم 19 آذار / مارس الماضي، عندما تلقى مدير أمن الفيوم، اللواء خالد شلبي، إخطار يفيد ورود بلاغ بوفاة شخص على إثر انهيار حائط منزل، وانتقلت فريق من ضباط المباحث ورجال الحماية المدنية والإنقاذ البري، وتم عمل كردون أمني حول المنزل، لمنع اقتراب المواطنين من موقع الانهيار.

وبالفحص تبين أنه حال قيام المتوفي "ضاحي .م.ع " ، 35 عامًا،  فلاح ، و"حسني .ح"، و"أحمد .م" ،و"هاني .ح"، و"أيمن .ع " ، 30 عامًا، عامل، بالتنقيب عن الآثار، في منزل "شريف .ص "، محام، وعمل حفرة بعمق 6 أمتار في داخل المنزل ما أدى إلى انهيار أحد جدرانه عليه أثناء تواجده في الحفرة ووفاته في الحال، وتمكّن ضباط البحث من توقيف المتهم الرابع، وبمواجهته أقر باشتراكه مع المتوفي، وباقي المتهمين بارتكاب الواقعة. وتمكنّت قوات الإنقاذ البري من إزالة آثار الانهيار واستخراج جثة المتوفي، وتم نقلها إلى مشرحة مستشفى الفيوم العام، وتم تحرير محضر بالواقعة وإخطار النيابة العامة لمباشرة التحقيقات. 

وفي محافظة الدقهلية، غرق شخص داخل بئر، وفقد آخر، وأصيب ثالثهم، أثناء تنقيبهم عن الآثار في قرية الطعايمة التابعة لمركز المنزلة في محافظة الدقهلية. وتعود تفاصيل الواقعة ، إلى 16 شباط / فبراير الماضي، عندما تلقى مدير أمن الدقهلية، اللواء عاصم حمزة، إخطارًا، يفيد تجمهر عدد من المواطنين في القرية، لغرق أحد المواطنين داخل بئر. وانتقلت قوات الإنقاذ النهري والحماية المدينة إلى مكان البئر وتمكنوا من إنقاذ "نعيم.ع"، واستخراج جثة "سامح.ر.ا" (35 عاما) واستمر البحث عن مفقود ثالث، يدعى "محمد.م.ع"، وتم نقل الجثة والمصاب إلى مستشفى المنزلة المركزي.

وبالفحص ، تبين وجود بئر قطره واحد متر، بعمق 17 مترا، داخل ملك المجني عليه، وأثناء نزوله داخل البئر للبحث عن الآثار لقي حتفه ، فحاول المفقود إنقاذه، وتم تحرير محضر بالحادث وإخطار النيابة العامة للتحقيق. وطالب عدد من الخبراء المعنيين بالشأن المصري، بضرورة تحرك عاجل من الحكومة والبرلمان، لمواجهة هذه الظاهرة، ومت تشّكله من تهديد حقيقي على تاريخ وحضارة المصريين القدماء، بعد أن نجح العشرات في العثور على قطع آثرية من خلال عمليات التنقيب، وقاموا ببيعها بملايين الجنيهات.

وأكدوا في لقاءات مع "مصر اليوم"، على الرغم من المخاطر التي تُحيط بعمليات التنقيب عن الآثار، لكن مازال الحلم يُراود البعض، ويسعى جاهداً إلى تحقيقه حتى وإن كلفّه حياته. ويرى عميد كلية الآثار السابق في جامعة القاهرة، الدكتور فؤاد النبراوي، "لابد أن يتحرك البرلمان، لفتح هذا الملف، وتعديل قانون حماية الآثار، وتغليظ العقوبات المُقررة على مرتكبي هذه الجريمة لتكون السجن المؤبد، وليس كما هو الحال في ظل القانون القديم ، الذي نص على أن عقوبة التنقيب 5 سنوات".

ويتفق معه الخبير الآثري، الدكتور خالد سعد، في الرأي قائلًا "إن العقوبات التي تضمنها القانون الحالي لا تُحقق الردع، لذا نجد أن هذه الظاهرة تفشّت خلال الفترة الأخيرة، مطالبًا بتعديل العقوبة، وتشديد الحراسة الأمنية على المناطق الآثرية".