لندن ـ سليم كرم
ينظر البرلمان البريطاني، في تعديل قانون يسمح بإنشاء سجن شديد الحراسة يودع فيه الأصوليين وأخطر العناصر المتطرّفة في البلاد المدانين بالتخطيط وارتكاب جرائم متطرّفة أو من يشكلون تهديدًا للأمن القومي، حيث سيستقبل السجن الجديد السجناء الذين ينشرون آراء تشجع أو تحرض على التطرّف أو تعكر الصفو العام أو تدعو لاعتناق الفكر المتطرف وسط زملائهم في السجون العادية.
وسيتم بدء تشغيل السجن الجديد المخصص للمتطرفين والذي أطلق عليه بالفعل "غوانتنامو بريطانيا" في منطقة "إتش إم بي فرانكلاند" في مدينة درهام الشهر المقبل، واختير هذا السجن تحديداً نظراً لإيوائه لعدد كبير من عتاة المجرمين بالفعل، ومن المقرر إضافة وحدتين مشابهتين إضافيتين إلى سجون أخرى في غضون الأسابيع المقبلة.
وصرح وزير مصلحة السجون، سام غيما، في رسالة بريدية أنّه يجب محاربة أي نوع من التطرف، ولذلك سعينا لعزل كل من يمثل خطرًا لمنع امتداد تأثيرهم إلى باقي السجناء، وتعتبر هذه المراكز جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى التعامل مع التطرّف داخل السجون لضمان سلامة وأمن السجناء وكذلك عامة الناس، وبعد إيداع هؤلاء السجناء تلك المراكز الجديدة، سيخضع المسجون لمراجعة كل 3 أشهر ليقرر المسؤولون بعدها مستوى الخطر الذي يمثله؛ هل تراجع؟ وحينها يمكن إعادته إلى السجن العادي أو سيستمر في المركز الجديد شديد الحراسة.
وجاءت فكرة استحداث المراكز الجديدة نتاج توصيات لجنة حكومية مستقلة قامت بالتفتيش على عدد من السجون وقدمت توصية بهدف القضاء على التطرف في السجون، وبالفعل استجابت الحكومة وشرعت في التنفيذ، وتعتبر المراكز الجديدة جزءاً من استراتيجية كبيرة تشمل استحداث وحدة مستقلة تحت اسم "وحدة الأمن والنظام ومكافحة التطرّف"، تكون مسؤوليتها رصد التهديدات المتطرّفة المتزايدة والتعامل معها، كذلك استحداث وحدة جديدة تضطلع بتحليل المعلومات الاستخباراتية، وتوجه النصح للقائمين على السجون في إنجلترا وويلز بشأن التعامل مع تهديدات محددة، والقيام بتدريب العاملين بالسجون على منع استجابة السجناء لإغواء التطرف.
وتشمل الوصايا الجديدة، منع دخول المطبوعات التي تحرض على التطرّف ، واستبعاد كل من يثبت تطرفه الديني داخل السجون العادية.
وتؤكد الإجراءات الجديدة على أهمية تدريب الضباط داخل السجون على كيفية ملاحظة السجناء من أصحاب الميول المتطرفة والإبلاغ عنهم، وإخضاع الأئمة والوعاظ للفحص قبل السماح لهم بالعمل في السجون، وفي السجن الجديد، سيكون للسجناء الإسلاميين قائمة طعام من اللحم الحلال، وسيحوي كل عنبر على جهاز تلفزيون وألعاب كومبيوتر، ومشروبات غازية ومقرمشات.
وكشف وزير الدولة البريطاني لمصلحة السجون التابعة إلى وزارة العدل، سام غيما، أن هناك خططاً لإنشاء 3 مراكز شديدة الحراسة بمناهج مناصحة لاحتواء الأصوليين المتطرفين أولها سيكون داخل سجن فرانكلاند في مقاطعة درهام البريطانية، بالإضافة إلى مركزين آخرين شديدي الحراسة لاستضافة المتشددين لمنع تجنيد متشددين داخل السجون البريطانية.
وقالت مصلحة السجون البريطانية إن عدد الدعاة المسلمين في السجون بأنهم نحو 100 مستشار ديني في وظيفة مستدامة، ونحو 120 داعية بشكل موسمي، مشيرة إلى أنّهم جميعا يخضعون لاختبارات وإجراءات تؤهلهم كدعاة يعرفون كيف يتعاطون مع السجناء المسلمين، واعترف المستشار في مؤسسة كويليام لمكافحة التطرف في بريطانيا، الشيخ صلاح الأنصاري، بوجود عناصر للتجنيد من قبل المتشددين في السجون حتى في السجون شديدة الحراسة مثل بيل مارش البريطاني الذي احتجز فيه من قبل أبو حمزة المصري "مصطفى كامل مصطفى" الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في سجن ميسوري شديد الحراسة في أميركا بتهم التطرّف ، وعمر محمود عثمان «أبو قتادة الفلسطيني» لسنوات قبل ترحيله إلى الأردن.
وأضاف الأنصاري أنّه في السجون بين "الإسلاميين" في العادة هناك شخصية "كاريزمية" تتمتع بقوة الشخصية والتأثير، قادرة على جذب السجناء المسلمين نحوها، ومن هنا يسهل التأثير على السجناء وجذبهم نحو أفكار المتشددين، معربًا عن اعتقاده أن عدد الدعاة في السجون غير كاف مع العدد المتزايد من السجناء المسلمين، ومشيراً إلى أن كثيراً من الدعاة غير مدرب أيضاً، بما فيه الكفاية دينيا وفكريا على مواجهة مشكلات التطرف وتجنيد الأصوليين داخل السجون.
وبيّن الأنصاري أنّ بعض الدعاة يعتنق الفكر "الديوبندي" مع فكر غير قادر على احتواء التصورات المعاصرة، والأفضل هو تطبيق مناهج المناصحة والتأهيل، التي طبقت في عدد من الدول العربية من أبرزها السعودية.
وكشف الدكتور محمد الشرقاوي الذي عمل من قبل في مصلحة السجون البريطانية كداعية وواعظ أنّه "بعد 15 عاماً قضيتها في العمل في السجون البريطانية كان معظمها في خدمة السجناء المسلمين في تلك السجون لا سيما من كان منهم متهما في قضايا التطرف، كنت في سنوات عملي الأولي قد أعددت برنامجاً للحد من العودة للجريمة"، مما حدا بإدارة السجون إلى طلب عمل برنامج للرد على أفكار المتطرفين أو المتشددين وقد قمت بتطبيق هذا البرنامج على عدد من المسجونين في هذه القضايا في عدد من السجون المشددة لمدة ستة أشهر وقد كلفت الإدارة أحد المكاتب الإدارية بعمل دراسة ميدانية لمن تم تطبيق البرنامج عليهم وكانت نتيجة الدراسة مذهلة، حيث أثبتت الدراسة أنه ليست فقط أفكارهم التي قد تغيرت، بل إن ملامح وجوههم ونظرتهم للحياة والمجتمع قد تغيرت أيضاً".
وأضاف الشرقاوي في عنابر المتطرفين والمتهمين بالتطرّف أنّ هناك أفكار متشددة بين السجناء والسبيل الوحيد لمقاومة مثل هذه الأفكار وتغيير آيديولوجيتهم هو مقارعة الفكر بالفكر وليس الفكر بالسيف، وقد أثبت التاريخ أن الفكر لا يقاوم إلا بالفكر وأن إلقاءهم خلف الأسوار المشددة لن يغير من أفكارهم بل يكلف الدولة المزيد من الأموال لرعايتهم، ويمكن اختزال التطرف في السجون بإسناد الأمر إلى المتخصصين الذين يمكنهم مقارعة حجج المتطرفين بالحجج العقلية من الكتب السماوية المعترف بها والتي يؤمن بها الجميع على السواء كما حدث ذلك في مصر وكما يحدث في السعودية الآن في برامج المناصحة.
ويتذكر مدير "المرصد الإسلامي" "لندن" وهو هيئة حقوقية تهتم بأخبار الأصوليين حول العالم 8 شهور قضاها في سجن بيل مارش شديد الحراسة في مزاعم تورطه بقضية اغتيال أحمد شاه مسعود زعيم التحالف الشمالي الأفغاني قبل يومين من هجمات سبتمبر/أيلول عام 2001، خلال الفترة التي قضاها في السجن، من أكتوبر/تشرين الأول 2001 إلى مايو/أيار 2002 قبل تبرئته وإخلاء ساحته، في عنبر الفئة الأولى بالسجن، والذي أطلق عليه الحراس "عنبر بن لادن، لأنه كان يحتجز فيه مشاهير السجناء ببريطانيا الذين ينتظر محاكمتهم بتهم التطرف".
وأضاف أبو عمار، أنّ التضييق كان على أشده في عنبر الفئة الأولى في سجن بيل مارش، بلندن، وكان يسمح بوقت قليل فقط للمشاركة في صلاة الجمعة" وتطرق إلى أن أغلب الحرس كانوا لا يحبذون الخدمة في "عنبر بن لادن" خوفًا من التأثير على أحوالهم النفسية"
وتذكر أبو عمار زميله في "عنبر بن لادن" السجين فيصل الجامايكي الذي رحل لاحقا إلى بلاده، بالعقاب الذي نزل عليه لأنه في خطبة الجمعة المراقبة في السجن استشهد بآية قرآنية تقول إنّ "الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم». وقال: «الحبس الانفرادي في العنبر كان يقترب من 23 ساعة في اليوم، وساعتين فقط للفسحة"
وتذكر الدكتور هاني السباعي مدير مركز "المقريزي للدراسات في لندن" سجن بيل مارش الذي احتجز فيه عقب اعتقاله في عملية "التحدي" عام 1998، مع مجموعة من الأصوليين المصريين منهم أسامة حسن، وإبراهيم عيدروس "اتهم في قضية تفجير السفارتين وتوفي لاحقاً بعد خروجه من السجن"، وسيد عبد اللطيف، وسيد معوض.
وبيّن السباعي أنّ بيل مارش، سجن نموذجي أشبه بغابة إلكترونية، والسجن كان في الأساس لاحتجاز عناصر الجيش الجمهوري الآيرلندي، واحتجز فيه لاحقا أبو حمزة المصري وعادل عبد المجيد، كلاهما معتقلان الآن في أميركا، وأبو قتادة، وبابر أحمد، ورشيد رمضة مسؤول الجماعة الإسلامية في أوروبا، ويعتبر رمضة أقدم الإسلاميين الذين احتجزوا في هذا السجن قبل ترحيله، إلى فرنسا، موضحًا أنّ "أكثر ما كان يضايقه في سجن بيل مارش هو كثرة التفتيش من قبل الحراس، كلما هم لتلقي زيارة أو لقاء محاميه، ومشيرًا إلى أنه كثيرا ما كانت تحدث مشكلات كلما همت الحارسات بتفتيشه، لأن ذلك يتعارض مع معتقداته الدينية".
وحذّرت رابطة ضباط السجون البريطانية من مغبّة استنساخ تجربة سجن غوانتنامو الأميركي بعد خطة حكومية ترمي إلى عزل من يوصفون بمتشددين في عنابر خاصة داخل السجون، وأبدى الأمين العام للرابطة، ستيف غيلان، معارضته الشديدة لتأسيس مثل هذه العنابر الخاصة، قائلاً إن مثل هذا النوع من العزل يعطي هؤلاء المسجونين نوعاً من المصداقية بين أقرانهم، فضلاً عن تسييس المساجين، مضيفًا أن هناك تخوفاً من أن يسعى بعض الأشخاص لارتكاب أمورٍ معينة كي يتم تحويلهم لمثل هذه الوحدات والعنابر لينالوا مصداقية، ومشيرًا إلى أن نسبة ضباط السجون قد تقلّصت بنسبة 35 في المائة، مقارنةً بما كان عليه الوضع عام 2010، نتيجة تخفيض الميزانيات.
وكانت مصادر الداخلية البريطانية ذكرت أنه لا يجب أن يتم السماح بـ "استمرار تسميم بعض المسجونين لأقرانهم بآيديولوجيات داخل السجون"، كما أشارت إلى خطورة أن يتحول من تصفهم بالمسجونين لمتطرفين أكثر تأثيراً عندما يصبحون مع بعضهم بعضا، لذلك ينبغي إبعادهم عن بعض أيضاً كي لا يتعاونوا على إحداث مشكلات.