وزير المالية البريطاني فيليب هاموند

وصف وزير المالية البريطاني فيليب هاموند، أمس الجمعة، الاتحاد الأوروبي بالخصم الذي تحتاج لندن إلى التفاوض معه. وكشفت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أن هاموند قال في واشنطن خلال اجتماع الخريف السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، "إنني أفهم أن شدة العواطف قوية، وأتفهم أن البعض لديه موقف حازم بشأن قضية خروجنا من الاتحاد، لكننا جميعا نتحرك في اتجاه واحد".

وأضاف هاموند خلال ذلك الاجتماع: "الخصم، يجلس على الجانب الآخر من الطاولة (في إشارة منه إلى الاتحاد الأوروبي)، هؤلاء هم من يجب علينا التفاوض معهم من أجل تحقيق أفضل صفقة للمملكة المتحدة". وكانت لندن بدأت محادثات رسمية في 19 يونيو/حزيران في العاصمة البلجيكية بروكسل حول شروط انسحابها من الاتحاد الأوروبي، بعد عام تقريبا من تصويت البريطانيين بنسبة 51.9٪ للخروج من الاتحاد.

واصطدمت محادثات "بريكست" بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بجدار تعنّت الطرفين المفاوضين، وفشلت في الوصول إلى أرضية مشتركة يمكن البناء عليها، إذ لم تقتصر تبعات انسداد هذا الطريق على العلاقة بين الجانبين فحسب، بل وصلت ارتداداتها إلى البرلمان البريطاني وصندوق النقد الدولي. وخرج كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه، ونظيره البريطاني ديفيد دافيس، أمام الصحافيين، أمس الأول الخميس، ليعلنا فشل المفاوضات في الوصول إلى اتفاق حول فاتورة "بريكست" وحقوق المواطنين والحدود الإيرلندية، وهي المرحلة الأولى المطلوبة من طرف الاتحاد الأوروبي للانتقال إلى المحادثات التجارية بين الطرفين، وهو ما يرغب الطرف البريطاني بالمباشرة به أولاً.

ونجم عن ذلك ظهور خلافات في صفوف الاتحاد الأوروبي، للمرة الأولى، حيث تدفع بعض الدول مثل هولندا، نحو مقاربة تسمح بالبدء بالمحادثات التجارية مع بريطانيا، وإن كان بصورة غير رسمية، بينما تعارض دول أخرى، أهمها ألمانيا، هذا الموقف، وتطالب بريطانيا بتوقيع اتفاقات مكتوبة تنص على التزامتها المالية تجاه الاتحاد. وحذّر أحد المسؤولين في بروكسل من أنّه في حال عدم البدء بالمحادثات غير الرسمية مع بريطانيا، يخاطر الاتحاد الأوروبي بتصدع وحدته، حيث تسعى دول مثل هولندا وبلجيكا والدنمارك لتطمين قطاع الأعمال حول مستقبل التجارة، مع حلول العام المقبل.

ودفع ذلك بارنييه إلى الطلب من دول الاتحاد الأوروبي المرونة لتجاوز هذه الأزمة في المفاوضات بشأن خروج بريطانيا، وهو ما عبرت عنه وثيقة صدرت عن زعماء الاتحاد تبدي استعدادهم للتباحث في وضع المباحثات التجارية، رغم رفضهم التام للبدء بها بأي صورة رسمية قبل الوصول إلى تفاهم مع بريطانيا حول حقوق المواطنين وفاتورة "بريكست". أما في الداخل البريطاني، فقد أدى فشل جولة المفاوضات الحالية، إلى تأجيل الحكومة مناقشة قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والذي تم تمريره في البرلمان قبل نحو شهر، وجرى نقله للجان البرلمانية لكي تتم مناقشته وتعديله قبيل التصويت عليه مرة أخرى.

 

وتم اقتراح نحو 300 تعديل على القانون، الذي كان على جدول أعمال البرلمان البريطاني للأسبوع المقبل، في وقت لا تحظى فيه هذه التعديلات بدعم الأغلبية البرلمانية لتمريرها، وهو ما دفع رئيسة الحكومة تيريزا ماي، إلى تأجيل مناقشة القانون، نظراً للأزمات التي مرّت بها حكومتها السابقة، لتجنّب الهزيمة البرلمانية أمام نواب حزب "العمال" المعارض، والمتمردين من حزبها (المحافظون)، خوفاً من انهيار الثقة بحكومتها الحالية كلياً. واقتنص حزب "العمال" تردّد ماي، ليزرع الشكوك حول وحدة "المحافظين"، ويقوّض الثقة بقانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، لا سيما أنّ "العمال" يتهم ماي بأنّها لا تستطيع التحكم بحزبها، وأنّ خوفها من تمرّد المحافظين المؤيدين للاتحاد الأوروبي هو ما دفعها لتأجيل مناقشة قانون "بريكست".

وفي السياق، قال كير ستارمر، وزير "بريكست" في حكومة الظل، لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إنّ "قانون الانسحاب الخاص بالمحافظين غير مناسب. يمنح هذا القانون سلطات كبيرة للوزراء من دون محاسبة ويضع الحقوق الأساسية في خطر". وأضاف "يجب أن تبدأ السيدة ماي بالاستماع إلى مخاوف حزب العمال وبعض من نواب حزبها، وأن تعمل على تغيير مقاربتها فوراً". وعلّق ستارمر على وضع المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، بعد مطالبة حزبه "العمال" بمحادثات طارئة مع بروكسل، بأنّه "انعكاس لفشل المحافظين ودليل على أنّهم أضاعوا أشهراً من المفاوضات".

وذكرت رسالة بعث بها ستارمر لديفيس، بعد المؤتمر الصحافي للأخير مع بارنييه، إثر جولة المحادثات، أمس الخميس، أنّ "الحكومة قد فشلت في تحقيق هدفها في هذه الجولة من المفاوضات"، وأنّ "الوزراء قد أهدروا أشهراً من محادثات بريكست في خلافهم الداخلي. يعزّز هذا الأمر من فرص خروج بريطانيا من الاتحاد من دون صفقة، وهو ما سيكون كارثياً للوظائف ومستوى الحياة ويجب رفضه كلياً". ولم تنته تبعات انسداد مفاوضات "بريكست"، بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي عند هذا الحد، بل تعدّت ذلك إلى ثلاث نقاط أخرى، تعكس حجم المشاكل التي تعاني منها حكومة ماي حالياً. فقد تراجعت قيمة صرف الجنيه الاسترليني أمام اليورو بشكل حاد بعد المؤتمر الصحافي، كنتيجة للتصريحات المتشائمة التي صدرت عن الطرفين.

ودخل صندوق النقد الدولي على خط الأزمة، بعد مطالبة رئيسته كريستين لاغارد، للمفاوضين من كلا الطرفين، بوضع اهتمامات المواطنين أمام مصالح الأعمال، "لأنّ المخاطر التي ستنجم عن عدم الاتفاق بين الطرفين لا يمكن تصوّرها"، بحسب قولها. كما تصاعدت المطالب وسط صفوف مؤيدي "بريكست"، بإقالة وزير المالية فيليب هاموند، في التعديل الحكومي المرتقب نهاية هذا الشهر، بعد ما وصفوها "محاولة من طرف هاموند لتخريب جهود بريكست"، لرفضه تخصيص ميزانية سيناريو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة، حتى إعلان فشل المفاوضات رسمياً، رغم تصريحه بعكس ذلك أمام مجلس العموم البريطاني.