طرابلس ـ فاطمه سعداوي
منذ ما يقارب الست سنوات على بداية الأزمة الليبية، في أعقاب مقتل الرئيس السابق معمر القذافي، لا تسيطر على ليبيا حتى الآن حكومة مركزية موحّدة، بل سلطات محلية مدعومة من دول أوروبية كثيرة. فحسب ما يؤكد مستشار مجلس مدينة سرت الساحلية وسط ليبيا، فتحي سليمان، تعكف السلطات المحلية الليبية على تقديم الخدمات الأساسية للشعب الليبي بصورة "فوضوية"، وذلك رغم الاختبار الشديد الذي تتعرض له موارد وكفاءات تلك السلطات.
ومنذ ديسمبر/كانون الأول عام 2016، يسيطر تنظيم "داعش" المتطرف على مدينة سرت، التي تعاني دمارًا هائلاً حاليًا كنتيجة للحرب التي يدخلها التنظيم مع السلطة الليبية، وهي الحرب التي لم تقدم فيها الحكومة الوطنية الليبية أي مساعدات على الإطلاق، على حد تعبير سليمان.
مبادرة نيقوسيا
وفي تلك المرحلة صدرت مبادرة "نيقوسيا" في العاصمة القبرصية التي سميت تمينًا بها، وذلك في يناير/كانون الثاني عام 2016، وجاءت على غرار المبادرات الأوروبية في المدن الليبية والتي تمهد الطريق أمام زعماء الدول الأوروبية بتجاوز الحكومة المركزية غير المستقرة وتقديم الدعم إلى المحافظين الليبيين.
وتعتبر مدينة سرت واحدة من المدن السبع التي تشملها المبادرة، وهي طرابلس وغريان والزنتان غرب ليبيا، وسبها في الجنوب، وبنغازي وطبرق في الشرق. وتركز مبادرة "نيقوسيا" على الخدمات العامة، حيث قدمت مدينة أنتويرب البلجيكية دورات تدريبية على إدارة النفايات، بينما تمنح العاصمة نيقوسيا خبرتها في مجال الإدارة العامة، ومدينة فيلا ريال البرتغالية في مجال الرعاية الصحية، ومورسيا الإسبانية في إدارة المياه.
وتقول مساعدة عمدة العاصمة نيقوسيا، إليني لوكاديو: "اعتقد أن السلطات المحلية تنجح حيثما تفشل الحكومات"، مشيرة إلى مدينتها مستعدة لفهم احتياجات "جيرانها" عبر البحر الأبيض المتوسط، واصفة قبرص بأنها "جسر يربط بين القارات الثلاث".
لامركزية الخدمات العامة
بدأ المشروع أصلاً عام 2015، حينما زار وفد من المحافظين الليبيين، بروكسل، وتلقوا دعوة من لجنة المناطق التابعة للأمم المتحدة والممثلة عن الجهات المحلية والإقليمية، وذلك بهدف تحديد المناطق التي تحتاج إلى مساعدات. وبعد ذلك، طلبت اللجنة من المدن الأوروبية أن تتطوع لدعمها. وبحلول مارس/آذار 2016، استضافت مورشيا الدورة التدريبية الأولى، والتي حضرها سياسيون وموظفون مدنيون من جميع المدن الليبية السبع.
ويقول سليمان إن هذا النهج "التصاعدي" أمر جديد بالنسبة الى الدولة الليبية، مضيفًا: "لا تزال المجالس الليبية في طفولتها المبكرة لذا فهي بحاجة إلى توجيه وإرشاد"، وذلك في إشارة منه إلى إرث نظام القذافي المركزي، والتي تقوم الدولة تحت مظلته بإدارة الخدمات العامة. وقد استحدث قانون عام 2012 نظامًا للإدارة المحلية. ومن هنا بدأت مرحلة اللامركزية في ليبيا، لكنها توقفت عام 2014 بسبب الصراع السياسي والأمني.
ويؤكد الممثل عن بلدية وسط طرابلس، سالم مقامدي، أن السلطات المحلية أقُيمت من الصفر، فهي تقدم مجموعة من الخدمات لم يسبق لها مثيل في التاريخ الليبي، لافتًا إلى أنه على الرغم من ذلك، فإن المسؤولين معتادون على العمل في ظل نظام شمولي ويفتقرون إلى المهارات التشغيلية والإدارية الأساسية.
وتوضح، المستشارة في مجال عقد الشراكات في المدرسة الأوروبية للحكم، بنديتا أودو، أن مبادرة "نيقوسيا" تهدف إلى مساعدة المحافظين الليبيين في إنشاء إدارات فعالة، مضيفة أن "السلطات المحلية الليبية بحاجة إلى مشاريع فعالة وسريعة، وتؤكد على أن المجتمعات المحلية التي تنتقل نحو الديمقراطية تستحق ذلك". وهذه المبادرة طموحة للغاية؛ إذ تشمل المشاريع قيد التنفيذ، إنشاء وحدات سماد عضوي للنفايات في خمس بلديات ليبية، وتدريب 200 شاب من قادة المجتمعات الليبية على مكافحة التطرف، فضلاً عن وضع أسس منهج ماجستير في الإدارة العامة بهدف تدريسه في الجامعات الليبية.
عقبات أمنية
إن تلك المبادرات محفوفة بالمخاطر، فلم يسافر إلى نيقوسيا يناير/كانون الثاني الماضي، سوى محافظي طرابلس والزنتان، وذلك قبل أسبوع من حادث إطلاق النار على محافظ عريان وإصابته بجروح خطيرة، في حين واجه بعض المسؤولين الليبيين عثرات لوجستية مثل الحصول على تأشيرات الدخول.
ومنذ أغسطس/ آب العام الماضي، أي عندما أطاح الجيش الليبي بمحافظ بنغازي واستبدله بضابط كبير في المخابرات، تضطر اللجنة في بروكسل إلى التواصل مع أعضاء المجالس المحلية بدلاً من المحافظين الليبيين. وفي الشهر الماضي، تعرض محافظ سرت إلى حادث خطف مروع ، علمًا بأنه أحد الأسباب الكبيرة وراء جهود إعادة إعمار المدينة.
ويقول مستشار السياسيات في اللجنة الراعية للمبادرة، فيليبو تيروسو، إن الأوضاع في ليبيا تتغير كل يوم، لذا "من الأفضل أن نتكيف". وبينما تأخذ عملية عقد الشراكات وقتًا طويلاً للغاية، تتفاقم المشكلات في ليبيا يومًا بعد يوم. فبدون أنظمة الصرف الصحي تنتقل النفايات على شواطئ المدن أو يتم ضخها في البحر وهو ما حدث في طرابلس، أما في بنغازي فقد وصل مستوى مياه الصرف الصحي إلى نصف متر، وهو الأمر الذي يعتبر بمثابة حالة طوارئ في الصحة العامة حسبما توضح أودو.
الحصول على تمويل
ويعتبر التمويل أحد أكبر العقبات التي تواجه مبادرات الخدمات العامة الحيوية في ليبيا. فحتى الآن، أخذت المدن الأوروبية ومنظماتها الشريكة حزمًا تمويلية صغيرة للغاية. لكن وحدات السماد العضوي-على سبيل المثال- تكلف نحو 70 ألف يورو للوحدة الواحدة، وهو مبلغ ضخم للغاية بالنسبة للمدن الأوروبية، ولكن- كما يوضح تيروسو- ليس مبلغًا كبيرًا بالنسبة للجنة الأوروبية، مشيرًا إلى أن هناك تمويلًا مخصصًا للمشاريع لكن المسألة هي "انعدام الثقة في المؤسسات الليبية".