الاستفتاء على استقلال كاتالونيا

تحوَّلت محاولة مقاطعة "كاتالونيا" الإسبانية الرامية إلى إجراء استفتاء حول الاستقلال، إلى حالة من الفوضى أمس الأحد، حيث أصيب المئات في  اشتباكات مع الشرطة في أحد أخطر الاختبارات للديمقراطية الإسبانية منذ نهاية ديكتاتورية فرانكو في السبعينيات. واستخدم ضباط الشرطة الاسبان معدات مكافحة الشغب، التي أرسلتها الحكومة المركزية في مدريد من أجزاء أخرى من إسبانيا، حيث استخدم الرصاص المطاطي والهراوات في بعض الأماكن وخصوصًا  المنطقة الشمالية الشرقية المضطربة. وجرى لإغلاق مراكز الاقتراع والسيطرة على صناديق التصويت.

وقد بدأ التصويت في العديد من البلدات والمدن، حيث كان الرجال والنساء، صغارا وكبارا، يغنون وهم يصطفون لساعات للإدلاء بأصواتهم، حتى مع تحول الوضع إلى مواجهات مع الشرطة في أماكن أخرى. وسرعان ما أفسدت الاشتباكات الجو الاحتفالي بين الناخبين، وحيث كان الكثير منهم صامدًا داخل مراكز الاقتراع لضمان أن تظل مفتوحة. وحتى في نهاية اليوم، ظل العديد من هؤلاء الناخبين خائفين من أن الضباط قد يصلون الى مراكز الاقتراع للسيطرة على الصناديق.

وأوضح مسؤولون كاتالونيون أن أكثر من 750 شخصًا أصيبوا بجروح خلال اندلاع عمليات القمع، بينما أصيب اثنان وعشرون من عناصر الشرطة الإسبانية، وفقا لوزارة الداخلية الإسبانية. وعلى الرغم من العنف، وصف رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راجوي في مؤتمر صحفي مساء الأحد إجراءات الشرطة بانها رد على "ديمقراطية ناضجة ومتطورة وودية ومتسامحة - ولكنها ديمقراطية ثابتة وحازمة".

لكن مؤيدي الاستفتاء أشاروا على الفور إلى أن استخدام  الشرطة القوة المكثفة كخراب ليس على حكومته المحافظة فحسب، بل أيضا على  الديمقراطية الإسبانية التي لا تزال شابة نسبيًا. وقال زعيم كاتالونيا، كارلوس بويغديمونت أمام حشد من سكان مدينة "سانت جوليا دي راميس"، وهي التي كانت مسرحًا للاشتباكات، إن "صورة الدولة الإسبانية وصلت إلى مستويات عار ستبقى معهم إلى الأبد". وأضاف: "اليوم، فقدت الدولة الإسبانية أكثر بكثير مما كانت قد فقدته بالفعل، وقد فاز المواطنون الكاتالونيون اكثر بكثير مما كانوا قد فازوا به حتى الأن".

وقد تم التصويت الكاتالوني بترقب مع تزايد الخوف - وليس هناك أي دليل على الدعم - من خوف الاتحاد الأوروبي من تحريض قوى التفتيت التي تجتاح بالفعل الاتحاد والعديد من الدول الأعضاء، حيث زاد ظهور الأحزاب الشعبية والوطنية في الانتخابات الأخيرة.
وقد أدت النزعة القومية في إسبانيا، وهي دولة ذات تاريخ طويل ومؤلم في القرن العشرين، حربا أهلية وفاشية، ظلت كلها خاملة منذ مجيء الديمقراطية بعد وفاة الديكتاتور الجنرال فرانسيسكو فرانكو في عام 1975. وهناك بالفعل دلائل على أن تهديد كاتالونيا لانقسام البلاد قد يتغير، وأن اشتباكات يوم الأحد ستزيد من استقطاب وتأييد أنصار الجانبين.

وبسبب التوترات يوم الأحد، لعب نادي برشلونة، وهو ناد لكرة القدم، مباراة خلف أبواب الملعب المغلقة في ملعب "كامب نو"، حيث جاء الفريق الإسباني المتعارض مع زي خاص مزخرف بالعلم الإسباني - وهو أمر غير عادي. وأعلنت حكومة مدريد، بدعم من المحاكم الإسبانية، أن الاستفتاء غير دستوري وأمرت بتعليق التصويت. إلا ان ذلك لم يمنع الكاتالونين من التصعيد، حيث كانوا يحتشدون في الشوارع المزدحمة  في جميع انحاء المنطقة  رغم المطر.

وقال ماريو بولبيلو، 54 عاما: "لقد أظهرت لنا إسبانيا اليوم أبشع وجه من أوجهها، وهو ما كنا نعتقد أنه قد اختفى منذ 40 عاما. لا يمكنك ببساطة استخدام العنف ضد الأشخاص الذين يريدون فقط التصويت". وعلى الرغم من تهديد الشرطة، قال بولبيلو، الذي يستخدم كرسيًا متحركة، إنه ذهب للتصويت "للتأكد من أن هذا هو عيدنا للديمقراطية".

وأكدت السلطات الكاتالونية أن الاقتراع قد بدأ في حوالي ثلاثة أرباع مراكز الاقتراع، ويبدو أنها مصممة على استخدام التصويت كدليل آخر على شرعية مطالبتهم بأمة منفصلة. واتهمت السلطات الإسبانية الحكومة الانفصالية بتشجيع الناخبين بشكل غير مسؤول على انتهاك القانون الإسباني وأعلنت أن تعطيل الاستفتاء قد تمَّ بنجاح.