زوجات أفغانيات قاصرات تروين معاناتهن

أفغانستان هي المكان الذي غالبا ما تموت فيه أحلام الفتاة. كان الأمر كذلك مع ثلاث صديقات أفغانيات، كانت حياتهن مروعة للغاية، فهن ما زلن يتألمن  حتى الأن أثناء الحديث بعد سنوات من الصدمة. كل واحدة منهن نجت من الزواج القسري حينما كانت طفلة، كما اشرن انهن محظوظات أنهن على قيد الحياة. كل واحدة منهن لديه أحلام كبيرة - على الرغم مما حدث.

اولى تلك الفتايات هي غول مينا، 18 عاما، بدأت أحلامها  بالفعل في التحقيق حيث في الشهر الماضي، استقلت طائرة من كابول إلى أوسترسوند، في  السويد، عبر اسطنبول واستكهولم، برفقة محام أميركي. كانت المرة الأولى التي تركب فيها غول مينا طائرة، للمرة الأولى من بلدها، والمرة الأولى التي ستكون فيها حرة. كان حلم غول مينا هو الهروب من أفغانستان.

اختفت الضمادات، لكن آثار الجروح لا تزال تملأ أحد جانبي وجه الفتاة، كدليل صارخ على الهجوم الوحشي الذي نجت منه بأعجوبة قبل ثلاثة أشهر. وعندما تجتمع الفتاة، غول مينا، مع فتيات أخريات، حتى أولئك اللائي تعرفت عليهن في الملجأ حيث تعيش الآن، تنزع النقاب عن الجهة التي تلفت من وجهها لتتحسسها بحذر شديد وهي تحبس أنفاسها. قالت بصوت رقيق: "إنه يؤلمني". وبحسب الشرطة الأفغانية وجيرانها، كان أخوها هو من أحدث في وجهها تلك الندب العميقة عندما هاجمها بفأس، وكان السبب الذي تمكنا من استنتاجه من روايات الأفراد الذين يعرفون عائلتها، أنه كان يعتقد أن غول مينا تسببت في خزي للعائلة عندما فرت من القرية مع رجل.

وما زاد من وحشية الجريمة التي تعرضت لها - وفي عيون البعض ما جعل جرائم القتل بدافع الشرف ضرورية - هي أنها ما كادت لتتجاوز مرحلة الطفولة حتى تزوجت، بحسب أفراد في قريتها. وما بين معاصم صغيرة نحيفة لطفلة، وعيون واسعة يكسوها الحزن، تتقلب مشاعر غول مينا بين ابتسامة باهتة ونظرات شاردة، وهي تحاول استعادة ذاتها. اعتقد الأطباء الذين باشروا حالتها عند دخولها المستشفى أنها في العشرين من عمرها، لكن ما إن نزعت الضمادات بدت أصغر بكثير. ويعتقد اختصاصيو الرعاية في ملجأ كابول أنها على الأرجح في السادسة عشرة من عمرها.

عندما تتحدث إلى الأفراد تبدو في بعض الأحيان مرتبكة، بل مندهشة مما هي فيه، كشخص يستيقظ في مكان جديد لا يعلم كيف وصل إليه. وتقول وهي تتحسس الندوب بسبابتها: "أنا لا أعلم كيف حدث هذا لي".

لم يعتقد الأطباء أو العاملون في المستشفى الذين رأوها في الأيام، بل في الأسابيع التي تلت وصولها إلى المستشفى (شرق أفغانستان) في نهاية شهر سبتمبر/أيلول، ومخها بارز من جمجمتها، أنها ستنجو أو تتمكن من المشي على قدميها مرة أخرى، أو الاستحمام، أو حتى الأكل أو الحديث. وقال الجراح الذي عالجها للمرة الأولى إنه لم يكن على يقين من أنها ستتمكن من المشي مرة أخرى. تتذكر غول مينا مسقط رأسها وتتحدث عنه طوال الوقت، فلها أربع إخوة وأختان نشأوا في منطقة حدودية بين باكستان وأفغانستان. على الجانب الأفغاني من الحدود تقع المنطقة في مقاطعة ناراي في إقليم كونار، وفي الجانب الباكستاني تقع في مقاطعة شيترال.

لكنها تقول إنها لا تستطيع تذكر الدافع وراء الهجوم. وقالت إنها لا تتذكر الهرب من المنزل أو الفرار مع رجل غير زوجها إلى إقليم نانعارهار حيث قيل إن أخاها وجدها بعد عشرة أيام. وقالت مينهازا نادري، رئيس ملجأ النساء الأفغانيات (مجموعة حقوقية تدير الملجأ الذي تقيم فيه غول مينا): "عرضناها على مستشار نفسي، لكننا لا نرغب في الضغط عليها. إنها تتحدث عن أشياء مختلفة في أوقات مختلفة. في البداية قالت إنها متزوجة وإن لديها أربعة أبناء، والآن تقول إنها لم تتزوج قط".

فقدان الذاكرة بعد الحوادث الصادمة ليس سوى رد فعل يظهر في بعض الأحيان عند ضحايا الاغتصاب في الغرب الذين أصيبوا بإصابات في الرأس أو في حالات اغتصاب الأطفال، لكن هذا النوع من فقدان الذاكرة أقل شيوعا في أفغانستان، بحسب الكثير من المدافعين عن حقوق المرأة، فتقول بلقيس روشان، عضو مجلس الشيوخ من إقليم فاراه التي تحدثت عن قضايا النساء: "لا أتذكر قضية فقدت فيها سيدة ذاكرتها، لكني على يقين من أن ذلك ممكن بمرور الوقت والعلاج الذي ستتلقاه".

ولدى سؤالها عما تود فعله قالت غول مينا إن كل ما تتمناه هو العودة إلى عائلتها، وقالت: سأذهب بمجرد أن تأخذوني إلى هناك. لكن النساء الأفغانيات اللاتي يقدمن على ارتكاب محرمات لا يعرفن شيئا اسمه العودة مرة أخرى إلى المنزل. وعوضا عن احتضانها وتوفير ملاذ آمن لها، فالأكثر احتمالية هو أن يشعر أحد أفراد العائلة، إن لم يكن جميعهم، أنهم مجبرون بدافع الواجب على تطبيق قانون قبائل البشتون وقتلها لاستعادة مكانة العائلة في المجتمع، بحسب مدافعين عن حقوق النساء.

كان ذلك هو ما حدث مع نيلوفار، شابة أخرى تتلقى الرعاية في أحد ملاجئ نادري، حيث حاول والدها وأخوها قتلها عندما نحروا عنقها وطعنوها في معدتها بعد رفضها الزواج من رجل طاعن في السن اختاروه زوجا لها.. تركوها شبه ميتة، لكنها تمكنت بعد مجهود شاق من الوصول إلى بعض المزارعين الذين نقلوها إلى مستشفى. وعندما عادت إلى المنزل علمت من زوجة أخيها أن أخاها أخفى سكينا كبيرة أسفل وسادته ويخطط لقتلها منتصف الليل، وهو ما دفعها إلى الفرار. وتقول حسينة نكزاد، مديرة شبكة النساء الأفغانيات في غرب أفغانستان، حيث وقعت 22 حادثة قتل بدافع الشرف خلال الأشهر التسعة الماضية: "لا أعتقد أن غول مينا ستعود إلى المنزل. أنا متأكدة أنهم سيخططون لقتلها مرة أخرى. إذا كان أخوها قد فعل ذلك ولم يعاقب على ذلك، فما الذي يمنعه من تكرار هذا العمل مرة أخرى؟ وربما يشعر هذه المرة بجرأة أكبر".

نتيجة لهذه الآثار النفسية التي تعانيها غول مينا، لم يكن مستغربا أن تتمنى العودة إلى بيتها مرة أخرى؛ بحثا عن الأمان من غدر هذا العالم، لكن يبدو أنها تدرك أن ذلك قد يكون خطرا. وعند سؤالها عما إذا كانت تستطيع النوم خلال الليل قالت: "عندما أنام يراودني الحلم ذاته، حيث يأتيني أخي الأكبر ويقول لي: لقد حان الوقت كي تعودي إلى المنزل، ثم أستيقظ وأنا أشعر بخوف شديد".

سحر جول شابة في عمر 18، أو ربما 17 تعرضت لتعذيب وسوء المعاملة على أيدى عائلة زوجها في قرية بولى كيمرى عندما كانت متزوجة بشكل غير قانونى كعروس طفلة. أصبحت قضيتها جديرة بالملاحظة في أفغانستان، و على مستوى العالم عندما تم إنقاذها في نهاية عام 2011.  صحيفة "الغارديان" قالت أن قضية جول "أرعبت أفغانستان وأثارت نوبة من المراجعة العميقة للدوافع الشعبية.  ثلاثة من أهل زوجها اُدينوا بجريمة الشروع في قتل و حُكم عليهم بالسجن لمدة عشر سنوات، لكن أبطلت المحكمة إدانتهم بعد الاستئناف. وتستعيد جول عافيتها في ملجأ للنساء، وتقول أنها كانت لديها طموحات أن تطبح سياسية وتوقف معاناة النساء كما فعلت هى.

نشأت في بدخشان، وهو إقليم جبلي في شمال أفغانستان. تنقلت بين أقربائها بعد وفاة والدها وفي الأخير استقر بها الحال في منزل أخيها غير الشقيق عندما كانت بعمر التاسعة.  كانت غول ترعى الابقار والاغنام، و تعمل في بستان للجوز وأشجار المشمش، وأيضا تصنع قوالب طوب من الروث لاستخدامها كوقود. وكان تواجدها في منزل أخيها غير الشقيق مصدر استياء قوى لزوجته، التي دفعته لتزويجها على الرغم من أنها لم تصل لعمر الزواج القانونى 16 عام. وتواصلت زوجة أخيها غير الشقيق مع رجل بعمر الثلاثين يُدعى غولم ساكي الذي دفع على الاقل 5 آلاف دولار لأجلها. وكانت غول أمية في الوقت الذى تزوجت.

أخد ساكي غول إلى بيت أهله في المقاطعة الشمالية لإقليم بغلان. وصرح مسؤولون من وزارة شؤون المرأة أن عائلة ساكي أعتادت ان تجبر غول على ممارسة الدعارة. ولقد رحلت زوجة ساكي الاولى بعدما تعرضت للضرب منه ومن والدته لعدم إنجابها. وقاومت غول لعدة أسابيع إتمام زواجها. هربت غول الى بيت أحد الجيران، الذين بلغوا الشرطة وعائلة ساكي.

واضطر ساكي لتوقيع خطاب بعدم اساءة معاملة غول في المستقبل بدافع من الشرطة والجيران، ثم عادت مع ساكي إلى البيت. سمع أحد الجيران بعد ذلك اصوات صراخ آتية من المنزل، ويمكن وصف حالة جول في الصباح التالي بأنها "فقدت الكثير من وزنها، أيديها كانت مغطاة بالكدمات والجروح، وإحدى يديها كانت مكسورة، ولكن والدة ساكي كانت تجبرها على القيام بغسل الملابس".

بعد ذلك أجبرتها عائلة ساكي على البقاء في القبو. في القبو كانت يداها ورجلاها مربوطة بحبل، تنام على الأرضية بدون مرتبة، وتأكل الخبر والماء. كان يتم ضربها بشكل منتظم، وكانت تتلقى معظم الضربات من والد زوجها. انتزعت أظافرها وكتل من شعرها، وقطع من اللحم من جسمها قُطعت باستخدام الكماشة. وكانت الحيوانات تسمد الارض بالروث في وقت اكتشافها حيث كانت ممددة في القش. اُتهم والد زوجها بضربها بالعصي، وعض صدرها، وادخال حديد ساخن في المهبل، وانتزاع اثنين من أظافر. حاول عم غول واخيها غير الشقيق زيارتها ولكنهما فشلا، وحذرت عائلة ساكي أخاها غير الشقيق، محمد، حول شرعية الزواج.

وقالت في الم أن اباها باعها مثل الخراف لتلك العائلة "، وأضافت سحر غول. "كنت صغيرة جدا عندما أرسلوني إلى هذا الزوج، لم أكن أعرف حتى ما هو الزواج". بعد أن تم انقاذها من محنتها لمدة عامين، اكتشف الأطباء أنها لم تبدأ الحيض.

وقضت محكمة أفغانية بالسجن لمدة 10 سنوات على أفراد من أسرة امراة متزوجة بتهمة تعذيبها لرفضها العمل بالبغاء. وقال مسؤولون إن "والد ووالدة سحر غول، وشقيقة زوجها احتجزوها في الطابق السفلي 6 أشهر بعد زواجها، واقتلعوا أظافرها وكسروا أصابعها، وعذبوها بالحديد الساخن، في محاولة لإجبارها على ممارسة الدعارة"، حسب أسوشييتد برس. وكشف القاضي صبغة الله الرازي، السبت، أن "حكما صدر بحق الجناة يوم الثلاثاء الماضي". وأضاف أن "زوج سحر وشقيقه أدينا أيضا، وسيصدر بحقهم حكم عند القبض عليهم".

أما عن الفتاة الثالثة واسمها ممتاز، هي الفتاة الأفغانية العشرينية تعيش في خوف متواصل، بعدما هاجمها شاب رفضت الاقتران به قبل أربع سنوات بالحمض"الأسيد"، فشوّه جمال وجهها. وقد التجأت ممتاز إلى منزل محاط بتدابير أمنية في ولاية قندوز (شمال) التي تشهد اضطرابات، وهي تلف رأسها بمنديل يخفي قدر المستطاع آثار الحمض "الأسيد" على وجهها. وعن  تفاصيل تلك الليلية، تشرح ممتاز حين اقتحم مسلح، ينتمي لمجموعة تحارب حركة طالبان، معروف بطبعه الشرس منزلها مع ستة من رفاقه، بعدما رفضت مساعيه للتودد إليها. وقالت "أمسكني من شعري وأفرغ الحمض على وجهي بشراسة، وكأنه يقول لي حاولي الآن أن تجدي عريساً".

حاولت ممتاز الإفلات منه، وراحت تصرخ لكن الحمض التهم بشرتها. وخضعت على مدى أربع سنوات لعمليات جراحية متعاقبة وعمليات زرع جلد أليمة، وهي اليوم تعيش مختبئة في ولاية قندوز الواقعة في شمال أفغانستان، حيث أطلق متمردو طالبان أشد هجماتهم منذ بدء موسم المعارك مع تحسن الطقس في الربيع. وتقول الفتاة إنها تلقت تهديدات من المعتدين عليها الذين يفلتون في أغلب الأحيان من القضاء.

وتختزل معاناة ممتاز المآسي الكبرى التي تشهدها أفغانستان، فالعنف بحق النساء وانتشار المليشيات المعادية لطالبان التي تزيد من حالة الفوضى السائدة، وإخفاقات دولة عاجزة عن تأمين حد أدنى من الأمن، هي عيّنة من المشاكل التي لم تجد أفغانستان حلولاً لها بعد.

في مارس/آذار، كشف قتل الشابة فرخندة سحلاً، عن الوجه البربري المقيت لبعض الأفغان الذين انهالوا بالضرب حتى الموت عليها، بعد اتهامها زوراً بحرق نسخة من القرآن. وقد أثارت هذه المسألة احتجاجات كبيرة في البلاد وفي الخارج، وحكم على أربعة أشخاص بالإعدام.

ولا تتحدث وسائل الإعلام كثيراً عن الاعتداءات بالحمض، التي غالباً ما تتعرض لها الأفغانيات اللواتي يرفضن لبس الحجاب أو يرفضن طالبي الزواج. ولم يكن الاعتداء على ممتاز سوى الفصل المأساوي لقصة بدأت قبل سنتين، وباتت لا تغادر البيت وحدها، وتختبىء خلف برقع للإفلات من تحرشات عنصر في المليشيا التي تحارب طالبان، وهي واحدة من المجموعات الصغيرة المتهمة بارتكاب تجاوزات وابتزاز بحجة تأمين "الحماية".

أغاظت هذه التدابير الوقائية العنصر الذي واصل التحرش بها. وعندما بلغه بعد سنتين، أنها مخطوبة لآخر، استبد به الغضب ودفعه شعور بالمهانة إلى إيذائها جسدياً، فشوه وجهها بالحمض. وهو الآن متوار عن الأنظار. وحكم على ثلاثة من المتواطئين معه بالسجن عشر سنوات، وهو حكم لا مثيل لقساوته في أفغانستان، فعلى الأغلب لا تستطيع النساء الاستعانة بالأجهزة القضائية.

ومن سخرية القدر، أن المتاعب الحقيقية لهذه الفتاة، بدأت عندما وجد بعض جلاديها أنفسهم وراء القضبان. وتشير إلى أنهم هددوا بقطع رأسها، و"قالوا لي سنقتل كل أفراد عائلتك عندما سنخرج من السجن. سنذيقك العذاب". وقالت حسينة المسؤولة في منظمة "نساء من أجل نساء أفغانيات" التي ساعدت ممتاز على العلاج في الهند، إن "الرجال مرغمون في عائلة ممتاز على حمل السلاح والحراسة على مدار اليوم"

وانقلبت حياة سلطان، والد ممتاز، رأساً على عقب. وباتت حياته اليومية مزيجاً من الخوف والرعب والتوتر الدائمين. حتى أن مجرد التفكير في الذهاب إلى مزرعته يصيبه بالهلع. وقال "حتى لو خرجوا من السجن، سنبقى دائماً هدفاً لهم. لن يدعونا نعيش بسلام". بارقة الأمل الوحيدة لممتاز، هي أنها اقترنت بالرجل الذي كانت مخطوبة له قبل الاعتداء عليها. وقالت: "لكني دائما ما أشعر بالخوف من أن يعثروا علي".