طرابلس ـ فاطمة سعداوي
كشف خبراء في شؤون الجماعات المتطرفة أن الأسماء المشمولة في قائمة الأشخاص والكيانات المتطرفة التي أعلنتها المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والبحرين، واتهمت قطر بدعمها، تكشف عن وحدة الهدف بين الجماعات المتطرفة، خصوصًا في مصر وليبيا اللتين ينحدر منهما أكثر من نصف الأشخاص الواردة أسماؤهم في القائمة. وتضم القائمة 27 مصريًاا وخمسة ليبيين، من أصل 59 شخص، إضافة إلى تنظيم "سرايا الدفاع عن بنغازي" من بين 12 كيانًا. ويبدو القاسم المشترك بين الأطراف المصرية والليبية التي تتهم قطر بدعمها، هوو محاولاتها الوقوف ضد التيار الشعبي الرافض لحكم جماعة "الإخوان" والتيارات المتشددة الأخرى في البلدين خلال الأعوام الأربعة الماضية.
وأعلن الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة أحمد بان، أن القائمة توضح إلى حد كبير تشابه أهداف الجماعات مثل "الإخوان، الجماعة الإسلامية، الجماعة الليبية المقاتلة، وغيرها". وأضاف أن قيادات في جماعة "الإخوان"، من كلًا من مصر وليبيا، تحالفت بشكل قوي مع التيارات المتطرفة، من أجل الانتقام بعد أن خسرت الحكم في البلدين.
وجاء الداعية المصري القطري يوسف القرضاوي "91 عامًا"، خصيصًا من الدوحة لأداء صلاة الشكر في ميدان التحرير الذي احتلت جماعة "الإخوان" منصته بالقوة فور سقوط نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في عام 2011. وكللت قناة "الجزيرة" القطرية حملتها الداعمة للإخوان بفتح قناة الجزيرة مباشر مصر، ووقفت قطر بقوة وراء الجماعة، حتى بعدما خرج ضدها ملايين المصريين رافضين استمرارها في الحكم في 30 يونيو/حزيران 2013، بعدها خرج القرضاوي بتصريحات شبه تكفيرية للجيش وجنوده، محرضًا على انشقاقات.
وفي ليبيا، وقف علي الصلابي في ظهر الجماعة التي تمكنت من حشد تيارات متطرفة ومسلحة، بينها "الجماعة الليبية المقاتلة"، للهيمنة على أول برلمان يجري انتخابه بعد حكم معمر القذافي، وأصدرت جماعة "الإخوان" في ليبيا قانونًا للعزل السياسي، وأجبرت النواب على التصويت عليه تحت تهديد السلاح.
كما استعانت جماعة "الإخوان" في ليبيا، منذ البداية، بـ"الجماعة الليبية المقاتلة"، المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، ومن أبرز قادتها عبد الحكيم بلحاج الذي ورد إسمه في لائحة التطرف الصادرة، فعلت جماعة "الإخوان" في مصر الأمر ذاته، من خلال فتحها الباب واسعًا للاستعانة بالقيادات المتشددة في "الجماعة الإسلامية"، وبالتحديد الفرع الذي رفض نبذ العنف في المراجعات الشهيرة التي أجرتها قيادات الجماعة في السجون في تسعينات القرن الماضي، ومن أبرز هؤلاء القادة ممن ورد اسمه في لائحة التطرف عاصم عبد الماجد، المقيم منذ إطاحة الرئيس الأسبق محمد مرسي في قطر.
وجرى الاعتماد على بعضها في جمع الأدلة في حق بعض الشخصيات التي وردت أسماؤها في لائحة التطرف، بما فيها "سرايا الدفاع عن بنغازي" التي تتمركز في الوقت الراهن، وفقًا لمصادر أمنية ليبية، في منطقة بوقرين ما بين مصراتة وسرت. وقالت التقارير ذاتها إن سرايا الدفاع عن بنغازي ومجموعات مسلحة أخرى في ليبيا، تلقت دعمًا كبيرًا من قطر يتضمن أسلحة وأموالًا وأنظمة اتصالات متقدمة.
وأكد القيادي القبلي محمود الورفلي الذي تتمركز قبيلته في بلدة بني وليد، في وسط ليبيا، أن قوات المشير خليفة حفتر، عثرت على كميات ضخمة من الأسلحة الواردة من قطر في معاقل الجماعات المتطرفة في منطقة الجفرة، كما أن قطر تدعم منذ 2011 التيار المتطرف، سواء من جماعة الإخوان أو الجماعة الليبية المقاتلة أو سرايا الدفاع عن بنغازي. ويرى القيادي السابق في "الجماعة الإسلامية" ناجح إبراهيم، أن قطر أخطأت في تبني مثل هذه الجماعات، كما أن أي دولة تتبنى ميليشيات أو جماعات متشددة، عادة ما تتضرر، حتى لو حاولت ضبط مسارات هذه الجماعات. وأوضح القيادي السابق أن مشكلة مثل هذه الجماعات أنها لا تكون منضبطة بما تريده الدولة التي تحتضنها، ودائمًا ما تخرج عن سياقات الاحتضان، كما أن الجماعات المتشددة لديها أهدافها ومساراتها التي تختلف عن مسارات الدولة التي تدعمها، وهو ما يحدث مع قطر بعد أن أصبحت هذه الجماعات مصدر خطر على كثير من الدول في المنطقة.
ومن بين المصريين الذين وردت أسماؤهم في لائحة التطرف، قيادات تابعة إلى "الجماعة الإسلامية" وجماعة "الجهاد"، وكلتاهما كانتا متهمتين بالتحريض على العنف وبالضلوع في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، ومن هؤلاء طارق الزمر ومحمد شوقي الإسلامبولي، ومحمد عبد المقصود .
وسُجن الزمر، وهو قيادي في الجماعة الإسلامية، لمدة 29 عامًا، على خلفية قضية اغتيال السادات عام 1981، وهو مطلوب للسلطات في مصر منذ عام 2013، فقد لفتت المصادر الأمنية إلى أنه يتنقل في الوقت الراهن بين قطر وتركيا وبلدان أخرى، أما الإسلامبولي، فله تاريخ حافل من القضايا والملاحقات الأمنية. وهو شقيق خالد الإسلامبولي، قاتل السادات، واتهم في قضايا عدة، وحكم عليه بالإعدام غيابيًا في القضية التي كانت تعرف بإسم "العائدون من أفغانستان"، وأمضى خارج مصر نحو 24 عامًا، أقام منها ثمانية أعوام في إيران التي احتفت بشقيقه وأطلقت إسمه على شارع في طهران، ويعتقد أنه موجود في تركيا حاليًا.
أما عبد المقصود فيوصف بأنه الأب الروحي لفصيل من السلفيين تحالف مع جماعة الإخوان في أيامها الأخيرة في حكم مصر، وكان قبل هروبه إلى قطر في 2013، يعمل أستاذًا في معهد البحوث الزراعية في شمال القاهرة. وشوهد أثناء الاعتصام الشهير الموالي لمرسي في منطقة "رابعة العدوية"، وهو يلقي الخطب الداعية إلى إعادة الرئيس "الإخواني" إلى الحكم بالقوة والتحريض ضد الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة، وصدرت ضده أحكام قضائية غيابية بالإعدام.
وبين المصريين الذين وردت أسماؤهم في لائحة التطرف مستشار وزير الأوقاف إبان حكم جماعة "الإخوان" محمد الصغير، وعرف عنه قربه من "الجماعة الإسلامية"، وقال مصدر إن خدمة الصغير في الوزارة أنهيت منذ مطلع عام 2014، لأسباب تتعلق بتحايله على قانون العمل، ولم تعد لنا علاقة به منذ ذلك الوقت.
وعُرف الصغير وهو في الخمسينات من العمر، بظهوره على شاشة قناة "الناس" الفضائية، وبفتاويه المثيرة والمتشددة التي استخدمها في محاولة للنيل من النظام في مصر بعد عزل مرسي، ومن هذه الفتاوى، وجوب تطليق مؤيدي عزل الرئيس "الإخواني"، إلى جانب دعوته إلى العنف ضد مؤسسات الدولة، وقالت مصادر أمنية إن الصغير يقيم في الوقت الراهن بين تركيا وقطر.
وجاء في اللائحة أحد أكثر المحرضين على العنف في مصر، وهو وجدي غنيم الذي اعتاد منذ خروجه من مصر عقب عزل مرسي، ونشر مقاطع مصورة على الإنترنت يدعو فيها إلى القتل وسفك الدماء والتخريب، ويبدو أن لديه سجلًا حافلًا من الملاحقات والسجن في مصر منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، كما تعرض للاعتقال والإبعاد من دول أجنبية وعربية عدة، بسبب دعواته المثيرة للعنف، قبل أن ينتهي إلى العيش متنقلًا بين قطر وتركيا.
ووردت في اللائحة أسماء مصريين مطلوبين بتهم تتعلق بارتكاب العنف أو التحريض عليه، بينهم من ينتمي إلى "الإخوان" أو "الجماعة الإسلامية" أو جماعات أخرى متطرفة، وهم يحيى عقيل، ومحمد حمادة، وعبد الرحمن محمد، وحسين رضا، وأحمد عبد الحافظ، ومسلم طرفان، وأيمن صادق، ومحمد عبد النعيم، ومحمد عبد المطلب، وأحمد فؤاد، وأحمد رجب، وكريم محمد، وعلي زكي، وناجي العزولي، وشحاتة فتحي، ومحمد محرم، وعمرو عبد الناصر، وعلي حسن، وأيمن عبد الغني.
وشدد مسؤول أمني على علاقة بالقضايا المرفوعة أمام المحاكم المصرية في حق قيادات "الإخوان"، والمؤيدين لها من الجماعات المتطرفة الأخرى، إن بعض الشخصيات غير المعروفة حاولت بعد نهاية حكم "الإخوان"، استثمار أموال الجماعة في مشاريع كبيرة داخل مصر، والمضاربة في البورصة. وأضاف أن أيمن عبد الغني، على سبيل المثال، كانت لديه أموال في البورصة، وأن هناك حكمًا صادرًا من محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بمنعه وآخرين من التصرف في هذه الأموال في 2014، لعلاقتها بتمويل أنشطة "الإخوان".
أما فيما يتعلق بالشخصيات الليبية التي تضمنتها لائحة التطرف، فقال مصدر أمني مصري إن بلاده كانت تعتزم منذ شهور تقديم ملف إلى الجهات الدولية المعنية بالأنشطة التي يقوم بها الصلابي وبلحاج، وتؤثر بالسلب على الاستقرار في مصر، من خلال إيواء عناصر مصرية متطرفة على الأراضي الليبية، في معسكرات تتبع جماعات موالية لكليهما، إضافة إلى شقيق الصلابي، وإسمه إسماعيل، وورد إسمه في اللائحة مع مفتي ليبيا السابق الصادق الغرياني، ومهدي الحاراتي، وهو ليبي يحمل الجنسية الآيرلندية، ومتهم بتأسيس لواء الأمة المتطرف في سورية وتمويل جماعات مصرية متطرفة في ليبيا مع كلًا من الأخوين الصلابي وبلحاج والغرياني.
ولفت مسؤول أمني إلى أن إسماعيل الصلابي يعد من المشاركين والداعمين لنشاط تنظيم سرايا الدفاع عن بنغازي، مع المفتي الغرياني الذي كان أسس قوات خاصة به تسمى قوات دار الإفتاء. وأوضح الصلابي أن وضع هذه الأسماء على لائحة التطرف استند إلى معلومات تربط بين نشاط الجماعات التي يديرونها داخل ليبيا، وجماعة الإخوان والتنظيمات المتطرفة التي تستهدف إثارة القلاقل في مصر. وقال بلحاج إن نشاطه يقتصر على العمل السياسي من خلال حزب الوطن الذي أسسه ويرأسه، بينما أجاب الحاراتي قبيل تركه ليبيا العام الماضي، بأن عمله لا يزيد عن ترؤس المجلس البلدي في طرابلس.
وتوقع الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة أحمد بان أن يساهم صدور اللائحة السعودية الإماراتية المصرية في حصار جماعة الإخوان وداعميها دوليًا، بشكل واضح، وإضعاف صيغة التنظيم الدولي إلى حد كبير، وجعل تنظيم الإخوان مختلفًا عن الفترات الماضية، وبالتالي سيشهد التنظيم مزيدًا من التراجع، كما أن اللائحة الجديدة تؤكد على أن التطرف واحد، سواء حمل عنوانًا إخوانيًا أو من التيارات المتطرفة الأخرى، لأن اللائحة ضمت هذا الطيف كله