القاهرة – وفاء لطفي
أكد الباحث الأميركي والمستشار السابق لحملة الرئيس المنتخب دونالد ترامب الدكتور وليد فارس ، أن مصر ستكون الحليف الاستراتيجي المقبل لأميركا في الشرق الأوسط، وأن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي تكتسب أهمية كبيرة في المرحلة الراهنة، ليس فقط بحكم التقارب الواضح في الأولويات بين القيادة المصرية والإدارة الأميركية الجديدة، لكن أيضًا الأهمية تكمن في ان تلك الزيارة تدشن مرحلة جديدة في نظرة الولايات المتحدة إلى المنطقة وفي القلب منها بالطبع مصر، فالإدارة الأميركية الجديدة لا تريد استمرار نفس النهج القديم في التعامل مع قضايا المنطقة من خلال النظرة الضيقة للمصالح الأميركية، لكنها تبحث جديا عن شريك حقيقي في المنطقة، وأعتقد ان مصر بحكم ما لها من ثقل سياسي وحضاري وثقافي كبير مؤهلة أن تكون هذا الشريك، لكن الأمر يتطلب كثيرًا من العمل والجهد من الجانبين للوصول إلى هذا المستوي من العلاقات.
جاء ذلك خلال حواره أجرته معه صحيفة "الأخبار"، على هامش زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن، والتي أوضحت أن فارس "يمتلك رؤية متعمقة للسياسة الأميركية، بحكم عمله على مدى ٧٢ عامًا في هذا المجال، كما أنه كان قريبًا من أركان الإدارة الحالية بحكم عمله السابق كمستشار لحملة الرئيس ترامب، إضافة إلى عمله الحالي كمستشار لمجموعة كبيرة من قيادات الحزب الجمهوري في الكونغرس، والذي يمتلك الأغلبية النيابية حاليًا، وتخصصه في قضايا الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب".
وردًا على سؤال بشأن أن كل الإدارات الأميركية السابقة كانت دوما ترفع شعار أنها تريد فتح صفحة جديدة مع المنطقة، وبمضي الوقت لا نري جديدا، وربما تكون إدارة اوباما خير مثال على ذلك، قال فارس: "الوضع هنا مختلف، فالتجربة الصعبة التي عاشتها المنطقة العربية، في ظل ما عرف بـ"الربيع العربي" تفرض علي الجميع نمطا مختلفا للتعامل مع الوضع الراهن، فضلا عن أن الرئيس ترامب يأتي من خلفية مغايرة تماما للنمط الذي تعودناه مع الرؤساء الأميركيين السابقين، والرجل من خلال قربي منه في الحملة الانتخابية يرغب بصدق في التعاون مع المنطقة العربية، وينهي كثيرًا من الخلافات التاريخية للولايات المتحدة مع العديد من دول العالم، فهو لديه رؤية مختلفة عن كافة الإدارات السابقة، كما أن أسلوب عمله أيضا يبدو مختلفا، أما بالنسبة لإدارة الرئيس أوباما، فقد كانت لها أولويات مختلفة في التعامل مع المنطقة، والحقيقة أن الانتفاضات العربية أربكت كل الحسابات، ووضعت الإدارة السابقة في مأزق، وكانت خياراتها خاطئة في كثير من الأمور.
وعن دعم الولايات المتحدة نفسها في عهد أوباما كثيرا من قوى التطرف في العالم العربي، قال فارس: "هذا النهج تغير بالفعل، وليس فقط في طريقه إلى التغير، فالولايات المتحدة في ظل الإدارة الجديدة ستتخذ مواقف حاسمة ضد التطرف والإرهاب، والرئيس ترامب لديه قناعة راسخة بأن هذا الخطر الأكبر الذي يتهدد الولايات المتحدة، ولابد من التصدي له بكافة السبل، أما دعم إدارة اوباما لجماعة الإخوان، ولغيرها من الجماعات المتشددة، فقد كان، كما قلت، خيارا خاطئا، وأدى إلى نتائج كارثية، لكن الحقيقة التي يجب أن نعترف بها هي أن جماعة "الإخوان" على سبيل المثال نجحت في تسويق نفسها جيدا لدوائر الحكم الأميركية، ويجب أن ندرك أن السياسة الأميركية معقدة جدا، والرئيس ليس وحده من يتخذ القرار، وأنا كنت شاهدا على تلك الفترة بحكم قربي من كثير من قيادات الكونغرس، فقد كان مبارك حليفًا للولايات المتحدة، وعندما قامت ثورة يناير 2011، قدمت للرأي العام الأميركي علي انها ثورة يقودها المجتمع المدني والشباب فتم تأييدها، وعندما تحولت إلى صراع سياسي انصرف اهتمام الرأي العام عن مصر، واستطاع "الإخوان" بحكم ما لديهم من نفوذ في الإعلام، وعلاقات ببعض دوائر الكونغرس ومراكز الفكر في واشنطن تقديم أنفسهم علي أنهم البديل الوحيد للنظام في مصر، وانهم من سيمنعون مصر من السقوط، ومن هنا جاء دعم الإدارة لهم في الوصول إلى الحكم، لكن كل ذلك تغير بعد ثورة 30 يونيو/حزيران 2013".
وأضاف: "ما أود تأكيده هو أن تصنيف الإدارة الأميركية لجماعة "الاخوان المسلمين" كمنظمة ارهابية ليس مسألة قرار سياسي وإنما مسألة وقت، فهناك قلق كبير من تنامي الدور الذي تقوم به جماعة الاخوان في نشر الأفكار المتطرفة التي تمثل حاضنة للتنظيمات الإرهابية الاخرين حتى وإن ادعى البعض عدم مسؤوليتها المباشرة عن جرائم تلك التنظيمات، فالإرهاب في الأساس فكرة، ومعظم الساسة الأميركيين والباحثين المتخصصين يعرفون ذلك جيدا، ويدركون أن أفكار "الإخوان" تقف وراء تطور المدرستين الثانية والثالثة في التنظيمات الإرهابية، وأدبيات الجماعة مليئة بالكثير من الأفكار المتطرفة، لكننا نعلم أيضا أن اتخاذ القرار التنفيذي بتصنيف الجماعة كمنظمة ارهابية يتطلب إجراءات ادارية وقانونية معقدة، والإدارة الجديدة التي لم تتول المسؤولية سوي من شهرين فقط، بينما إصدار مثل تلك القرارات المهمة يتطلب ترتيبات ومشاورات موسعة".
وتابع: "الإدارة الأميركية لديها تصور جديد للتعاون مع مصر يتجاوز أسلوب المصلحة والمعونة التي كانت تتبعه الإدارات الأميركية سابقا، والرؤية الجديدة تتضمن اعتبار مصر شريكا حقيقيا في التخطيط الاستراتيجي للمنطقة، وأن التنسيق معها يمكن أن يسهم في حل الكثير من الملفات العربية المعقدة كالقضية الفلسطينية، من خلال استمالة الولايات المتحدة إلى محور الاعتدال العربي، الذي تقوده مصر مع عواصم عربية أخرى، وبالتالي يمكن تحسين أجواء العمل العربي والأميركي المشترك، لكن كي نصل إلى هذا المستوى لابد من العمل بطريقة تتجاوز العلاقات الرسمية، فهناك ضرورة ملحة لبناء علاقات على أساس شعبي، وهذا مهم هنا في الولايات المتحدة، فالرأي العام عندما يكون مرتبطا بدولة معينة، فإنه يضغط لحماية مصالح تلك الدولة، ولدينا الآن طريق مهيأ من جانب الإدارة للتعاون مع مصر، ويتبقى بناء العالقات الشعبية، من خلال البرلمان والأحزاب السياسية، وقوى المجتمع المدني التي تمتلك مصر منها الكثير من المؤسسات المهمة كالأزهر والكنيسة، ومجتمعات الأعمال واتحادات المثقفين والفنانين وغيرها، وكلها أدوات مهمة، إلى جانب تفعيل دور الجاليات المصرية والعربية في أن تكون وسيلة للتعبير عن المصالح المصرية والعربية، والدفاع عنها، مثلما نري جاليات الكثير من الدول".
وحول الرغبة الأميركية في نقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس، قال الدكتور وليد فارس: "بالتأكيد هناك تفهم لتلك الحساسية، لكن ينبغي
أن ندرك أن قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس مُتخذ منذ سنوات طويلة، وليس في عهد إدارة ترامب، ويتبقى التنفيذ، وما استطيع تأكيده في هذا الشأن أن السفارة لن تنقل إلا بتوافق عربي، وهذا ما تسعى إليه الإدارة الحالية، من خلال وضع حلول حقيقية للقضية الفلسطينية، تتجاوز ما تم التوصل إليه عبر العقود الماضية، وإذا تحقق الحل الشامل للقضية، يمكن بعدها مناقشة كل الأمور بعيدا عن الحساسيات الراهنة، ولكنني أريد التأكيد أيضًا أن هناك بعض القوى التي لا تريد التقارب المصري الأميركي، وتعتبره في غير صالحها، هي التي تثير تلك الأزمات، وتحاول تضخيمها لتوتر العلاقات بين الجانبين، وتشوش على ما يتحقق من تقارب يمكن في ظله إنهاء الكثير من الأزمات المعقدة بالمنطقة".
وعن بقية أزمات المنطقة كالأزمة السورية والليبية علي سبيل المثال، ومدى امتلاك الإدارة الجديدة رؤية لحلها، قال: "بالتأكيد لديها رؤية، والرؤية هي تعزيز التعاون مع محور الاعتدال في المنطقة العربية، بحيث يمكن أن تسهم تقوية هذا التحالف في اتخاذ الكثير من القرارات التي تحل الأزمة، وينبغي أن ندرك أن مكافحة الإرهاب تحتل الأولوية الأولى لدى الإدارة الحالية، ومن ثم لا يمكن إغفالها بإجبار النطام في سورية على سبيل المثال على الخروج من مناطق معينة لتقع في أيدي "داعش"، وبالتالي الرؤية الأميركية تنطلق بداية من التخلص من داعش والجماعات الإرهابية، وبعدها يمكن بحث الخيارات السياسية الأخرى، التي تستجيب لتطلعات الشعب السوري، وكذلك الأمر في ليبيا".