القاهرة - مصر اليوم
تُطبق الأزمة الاقتصادية قبضتها على المصريين خلال استقبالهم شهر رمضان المبارك، إذ يعاني المواطنون من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، مع معدلات تضخم مرتفعة تهدد جيوب المصريين وقدراتهم الشرائية، وبما يربك حساباتهم، في ظل محاولات حكومية حثيثة لضبط الأسواق.
لكنّ الدفعة التي حصلت عليها الأسواق بفضل الإعلان عن مشروع "رأس الحكمة" أخيراً، وبما أدى لتراجع واسع بأسعار الدولار في السوق الموازية، وتراجع بعض السلع، تثير حالة من التفاؤل بتراجعات أوسع في أسعار عديد من السلع والخدمات في المرحلة المقبلة، من أجل العودة للمستويات الطبيعية.
وحتى الآن ورغم تراجع أسعار بعض السلع، إلا أنها لم تصل للمعدلات الطبيعية المنشودة.
هذه الظروف الصعبة التي تثقل كاهل المصريين خاصة من متوسطي الدخل ومحدوديه بأعباء كبيرة، تؤثر على استقبالهم للشهر الذي ينتظرونه كل عام، والذي تشهد فيه الأسواق حالة من الرواج والانتعاش، وهو ما يعكسه حجم الإنفاق.
وبحسب وزارة التموين المصرية، فإن: حجم إنفاق المصريين على الطعام في شهر رمضان الماضي تخطى 100 مليار جنيه. وحجم الإنفاق على السلع الغذائية يتراوح من 10 إلى 12 مليار جنيه شهرياً.
وسجلت أسعار "ياميش رمضان" لهذا العام ارتفاعاً بنسبة تصل إلى 70 بالمئة بالنسبة لبعض السلع الأساسية فيه. لكنّ عضو مجلس إدارة شعبة العطارة بالغرفة التجارية، محمد عرفة العطار، كان قد بشر قبيل أيام بتراجع في الأسعار -مع تراجعات الدولار في السوق الموازية بعد الإعلان عن مشروع رأس الحكم- بنسبة تصل إلى 20 بالمئة عن المعدل الحالي.
بينما توفر الحكومة المصرية مجموعة واسعة من السلع الأساسية في معارضها السنوية "أهلاً رمضان" بأسعار مخفضة، إذ يصل سعر كيلو الأرز إلى 29 جنيهاً (أقل من دولار واحد تقريباً) بدلاً من 31 جنيهاً. وليتر الزيت 70 جنيهًا بدلًا من 98 جنيها، وكيلو اللحمة السوداني 250 جنيهاً، و320 جنيها للطازجة بدلاً من 480 جنيهاً.
من جهته قال الخبير الاقتصادي، علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
• الضغوط التضخمية تغير من الاتجاهات الاستهلاكية للمواطنين، فمع الارتفاعات الكبيرة التي شهدتها السلع الموسمية من ضمنها ياميش رمضان وغيرها من المنتجات المرتبطة بهذا الموسم تدفع الكثير من المواطنين نحو ترتيب أولوياتهم بشراء السلع الأكثر احتياجًا.
• الارتفاعات الكبيرة في الأسعار تؤدي لانخفاض الطلب على السلع الموسمية.
• بالنسبة للسلع الأساسية فلا يستطيع المواطن أن يُقلل من حجم الطلب عليها رغمًا من ارتفاع سعرها.
وشدد على ضرورة أن تسعى الحكومة المصرية لضبط السوق، من خلال:
• زيادة عدد المعارض التي توفر السلع بشكل أكبر في جميع محافظات الجمهورية.
• توفير السلع الأساسية بأسعار تنافسية.
• السعي لتخفيض أسعار السلع الأساسية خلال الفترة المقبلة.
وتتوقع الأسواق على نطاق واسع تراجعات إضافية بالأسعار في المرحلة المقبلة نتيجة السيولة الدولارية التي حصلت عليها مصر من الدفعة الأولى من استثمارات مشروع رأس الحكمة من الإمارات.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن وزارة التموين المصرية اتخذت أخيراً خطوة جيدة بتخفيض أسعار بعض السلع الأساسية كالزيت والسكر، مشدداً على أهمية أن تمتد تلك الخطوة لكافة السلع، خاصة وأن المواطن يحتاج لمزيد من التخفيض في أسعار السلع الأساسية للحفاظ على مستوى معيشة مقبول وبالأخص لمحدودي الدخل والطبقات الفقيرة.
كما شدد في الوقت نفسه على ضرورة أن يكون لدى المواطن وعيًا استهلاكيًا بأن يُرتب احتياجاته ويبتعد عن سياسات التخزين.
وكانت مصر والإمارات وقعتا اتفاقية صفقة استثمارية ضخمة لتطوير مدينة رأس الحكمة الواقعة في الساحل الشمالي الغربي للبلاد، والتي من المتوقع أن تجذب استثمارات تصل إلى 150 مليار دولار على مدار عمر المشروع.
فيما أوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور سيد خضر، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن عادة قبيل شهر رمضان يرتفع التضخم وأسعار بعض المواد الاستهلاكية، حيث يكون الطلب على السلع الغذائية والمنتجات الاستهلاكية أعلى في هذه الفترة بسبب الاحتفالات والتحضيرات لشهر رمضان.
وأضاف أن زيادة الطلب دائمًا ما تؤدي إلى ارتفاع الأسعار في السوق، وهو ما يجعل المواطن يواجه بعض الإشكاليات قبيل رمضان، من بينها:
• ارتفاع أسعار السلع الأساسية، حيث يشهد المستهلكون زيادة في أسعار الأغذية والمشروبات والمستلزمات الأساسية الأخرى.
• ارتفاع معدل التضخم، حيث يزيد التضخم قبيل رمضان، بما يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين.
• نقص المعروض، فقد يواجه السوق نقصاً في المعروض لبعض السلع الغذائية والمنتجات الأخرى، مما يؤدي إلى زيادة الأسعار.
• ارتفاع تكاليف المعيشة، حيث يواجه المواطن ارتفاعاً في تكاليف المعيشة العامة، مثل فواتير الكهرباء والمياه والإيجارات وغيرها.
ورأى الخبير الاقتصادي أن الحكومة المصرية على المدى المتوسط والطويل من الممكن أن تتخذ إجراءات للتخفيف عن كاهل المواطنين خلال هذه الفترة، حيث تشمل هذه الإجراءات:
• تنفيذ سياسات مالية ونقدية للحفاظ على استقرار الأسعار وتوفير المساعدات الاجتماعية.
• تخفيض الرسوم والضرائب على بعض السلع الأساسية.
• تبني استراتيجيات شاملة من أجل مواجهة أزمة ارتفاع الأسعار والتضخم، يما يسهم فى تحقيق التوازن بمستوى الأسعار، وهو ما يعد من أهم أولويات الحكومة خلال الفترة المقبلة، عبر استحداث سياسة نقدية متينة.
• زيادة الإنتاجية للتخفيف من الضغط على الأسعار.
• زيادة الاستثمار في البنية التحتية.
• تعزيز جهود مراقبة الأسعار ومكافحة الاحتكار.
• تعزيز التجارة الدولية.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن توعية المستهلكين بشأن أزمة ارتفاع الأسعار والتضخم، هامة خلال تلك الفترة، فيمكن أن تلعب دوراً مهما في التحكم في الطلب والتأثير على السلوك الاستهلاكي، وتقليل التأثير على الارتفاعات، وذلك من خلال ما يلي:
• مراجعة الميزانية الشخصية أو العائلية وتحديد الأولويات والمصروفات الضرورية.
• محاولة تقليل النفقات غير الضرورية والتركيز على الاحتياجات الأساسية.
• التسوق الذكي.
• التوجه نحو المنتجات المحلية البديلة.
ويشار إلى أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين للحضر، الذي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 8 فبراير 2024، سجل معدلاً شهرياً بلغ 1.6بالمئة في يناير 2024 مقابل معدلاً بلغ 4.7 بالمئة في ذات الشهر من العام السابق ومعدلاً شهرياً بلغ 1.4 بالمئة في ديسمبر 2023. كما سجل المعدل السنوي للتضخم العام 29.8 بالمئة في يناير 2024 مقابل 33.7بالمئة في ديسمبر 2023.
وسجل الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، المعد من قبل البنك المركزي، معدلاً شهرياً بلغ 2.2 بالمئة في يناير 2024 مقابل معدلاً شهرياً بلغ 6.3 بالمئة في ذات الشهر من العام السابق ومعدلاً شهرياً بلغ 1.3بالمئة في ديسمبر 2023. كما سجل المعدل السنوي للتضخم الأساسي 29.0بالمئة في يناير 2024 مقابل 34.2 بالمئة في ديسمبر 2023.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، مصطفى بدرة، إن مشروع رأس الحكمة انعكس تأثيره علي عدد من القطاعات منذ الإعلان عن توقيع عقد أكبر استثمار مباشر في مصر، موضحاً في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن أبرز ملامح التأثير لهذا المشروع تتمثل في توفير سيولة دولارية مبدئية بقيمة 35 مليار دولار، الأمر الذي أعطي قوة للعملة المحلية وسيمثل دور حيوي في القضاء على السوق الموازية.
واشار إلى أن ذلك المشروع الضخم يعد بمثابة شهادة ثقة لإعادة الاستثمار داخل الدولة المصرية من جديد، وبداية قوية لتدفق استثمارات أخري في مختلف المجالات بسبب توفير العملة الدولارية وتأثيره علي جذب صناعات أخرى.
وأوضح أن تأثير المشروع على المستويات السعرية ستختلف من صناعة لأخرى ومجال لآخر، بينما فيما يتعلق بالسلع التموينية والاستهلاكية سينعكس تأثيره عليها بصورة أبطأ، بسبب تمسك التجار بالمستويات السعرية العالية أثناء وقت شرائهم للبضائع، الأمر الذي سيتطلب مزيداً من الوقت لخفض الاسعار. في حين انعكس تأثيره المباشر علي البورصة والذهب والدولار بصورة سريعة، مقارنة بسوق السيارات وغيره من المجالات التي تتطلب سرعة الافراج عن البضائع في الجمارك، والتي سيكون لها تأثير مباشر وسريع.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
وزارة التموين المصرية تصدر قرارين بشأن التدابير في مواجهة مخالفات تداول المواد البترولية