القاهرة - أحمد عبدالله
عاد البرلمان اليوم من إجازة برلمانية امتدت نحو أسبوعين، ليكون أول أيام عمله متزامنا مع أحداث الكنيسة البطرسية، وتشييع جثمان ضحايا الحادث في جنازة عسكرية مهيبة.
البرلمان أعلن قبل الحادث بأيام عن جدول أعمال للجانه النوعية اشتمل على عشرات الاجتماعات في مختلف المجالات والقطاعات، في الصحة والموازنة والتعليم والطاقة، ولم يتبيّن المحررون البرلمانيون حتى الساعات الأولى من صباح الإثنين كيف ستسير الأمور، هل تؤجّل اجتماعات اللجان مع تناثر أنباء حول مشاركة رئيس البرلمان وقتها في الجنازة.
المشاهدات الأولية من اليوم داخل البرلمان، تظهر أن نواب الشعب لم يكونوا على الدرجة من الحزن والارتباك ذاته، الذي بدا على رجال الأمن المكلفين بتغطية مداخل ومخارج البرلمان، حيث شددوا إجراءات الدخول والخروج، وظهروا في أكثر حالات لياقتهم الأمنية، بالإضافة إلى اعتراء الحزن وجوههم، في الوقت الذي كان نواب بارزون في البرلمان يسود التجهم وجوههم في العلن، وبمجرد أن يغلقوا أبواب لجانهم الفرعية عليهم، حتى ظهرت ابتساماتهم العريضة، واستغرقوا في طلب المشروبات الساخنة والمثلجة.
عدم الوضوح الذي هو سمة أصيلة في التعامل داخل أروقة البرلمان تحكم في المشهد تماما، فنواب حضروا مبكرا وانخرطوا في محادثات جانبية عكست إلى حد كبير "ارتباك" في التعامل، بينما دخل آخرون في اجتماعات قصيرة انتهت بعد دقائق معدودة، وآثر آخرون السلامة وأعلنوا إرجاء اجتماعاتهم حتى إشعار آخر.
من مفارقات اليوم، هو تيقن كل المحررين البرلمانيين أن رئيس البرلمان يجلس داخل مكتبه على بعد أمتار قليلة منهم، وهو ما أثار تساؤلاتهم عن عدم مشاركة عبدالعال في الجنازة التي تقدمها رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، ليصيحوا مجتمعين من الدهشة بوجود رئيس البرلمان ضمن صفوف المشاركين في الجنازة، رغم تأكيد المسؤولة عن قطاع الصحافة في المجلس أن عبدالعال يجلس في مكتبه.
التضارب طل برأسه أيضا خلال مجريات اليوم المثير للجدل داخل أروقة البرلمان، فبينما اندفع عدد ليس بالقليل من النواب للمطالبة بإحالة قضايا الإرهاب والمتورطين فيها إلى المحاكم العسكرية، وعلى رأسهم النائب عبدالرحيم علي الذي تقدم بتصور تشريعي كامل لإدخال تعديلات تكفل "إحالة قضايا الإرهاب للقضاء العسكري"، ليخرج النائب البارز ورئيس لجنة الدفاع اللواء كمال عامر، بنغمة مغايرة وصادمة لبعض النواب المتحمسين، مؤكدا: "الدستور لا يسمح بمحاكمة المدنيين عسكريا".
الأمر اللافت أيضا ما جرى خلال اجتماع الطاقة صباح اليوم والذي لم يدم أكثر من ربع ساعة بسبب مشاركة أعضاء اللجنة في جنازة شهداء الكنيسة البطرسية، فبداية يدخل الاجتماع رئيس اللجنة طلعت السويدي مصطحبا وزير البترول طارق الملا في يده، ويدخل بعد الوزير طقم معاون له مكون من 4 قيادات بارزة في الوزارة، أحدهم سيتولى بعد قليل مهمة شرح أبعاد قانون جديد خاص بـ"الغاز الطبيعي" وإمكانية إنشاء مراكز توزيع استثمارية له شبيهة بفكرة "البنزينة".
المثير في الأمر أن طلعت السويدي كرر أكثر من مرة ضرورة إنهاء اجتماع اللجنة سريعا من أجل اللحاق بالجنازة، ولكن ما لم يكن مفهوما حقا هو "الموافقة المبدئية" على القانون دون استعراض نصوصه أو بنوده، فحينما طالب الوزير الملا من مساعده أن يشرح فكرة عامة عن القانون، ليفاجئ السويدي الجميع برفضه ذلك قائلا: "لا لا"، اطلب من النواب الموافقة على القانون الآن، ثم نناقش تفاصيله في ما بعد.
بحلول عصر اليوم، ثار الجدل جلسة البرلمان اليوم وضجت القاعة الرئيسية بالصخب بعدما ذكر رئيس البرلمان خلال افتتاح الجلسة بالحديث عن حادث الكنيسة البطرسية، أنه تم استهداف المصلين من خلال "عبوة ناسفة" تم زرعها، وسرد بعدها مجموعة من التفاصيل المخالفة لتلك التي أعلن عنها رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي.
قاطع النواب عبدالعال سريعا مصححين له المعلومات، بأن رئيس الجمهورية ذكر أن الحادث تم من خلال حزام ناسف، ليغضب عبدالعال قائلا: "أنا أتحدث من وحي بيانات وتقارير رسمية أمامي الآن، ليواصل مجموعة من النواب القريبين من عبدالعال لفت نظره إلى أن حديثه يأتي بخلاف ما ذكره رئيس الجمهورية".
تدارك عبدالعال نفسه بعدها وذكر أن "الإرهاب الغاشم استخدم حزاما ناسفا، وأنه بتجميع المواد المتفجرة تبين أنها حزام ناسف، استخدمه أحد الانتحاريين"، ثم تلعثم بعدها عبدالعال في مجموعة من المعلومات والتفاصيل التي قام بسردها.
لتأتي بعدها المفاجأة الكبري بإعلان رئيس البرلمان نية المجلس "تعديل الدستور"، وقال عبدالعال في كلمات جاءت كالصاعقة بالنسبة لنواب وجاءت لتدل على معرفة نواب آخرين بها مسبقا، قال علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب: "البرلمان عاقد العزم على مواجهة الإرهاب بالتدابير والتشريعات المناسبة، حتى لو تطلب الأمر تعديل الدستور، سنقوم بتعديل الدستور بما يسمح للقضاء العسكري بالنظر في قضايا الإرهاب والبت فيها".
المشهد الختامي هذا اليوم عقب سيل من الشجب والأسف الذي لم يخل من انتقادات على استحياء لوزارة الداخلية ومسؤوليتها عن التأمين، جاء بتعهد البرلمان بتعديل قانون الإجراءات الجنائية لتحقيق العدالة الناجزة.