السادس من أكتوبر

يروي عبدالحي أمين الفار، رجل في العقد السابع من عمره تستشري التجاعيد في وجهه ذو الملامح الحادة التي تحمل بين طياتها بساطة أبناء جيله وبسالتهم، لـ " مصر اليوم " ذكرياته مع حرب  السادس من أكتوبر، مؤكدًا أن أحد زملائه في الكتيبة أخبره بميعاد الحرب، قائلًا: "أفتكر أي واحد هيموت من زمايلك معاك بكرة، لأن بكرة إن شاء الله هانخلص".

وولد المقاتل عبدالحي كما كانت تتم مناداته أثناء حرب أكتوبر الملحمية في عام  1944، في قرية الشعراء التابعة لمحافظة دمياط، وانضم للقوات المسلحة عام 1964، وشارك في حرب الاستنزاف في عام 1967، ومن ثم أنهى خدمته العسكرية بشكل رسمي في عام 1972، ضمن أول دفعة تتخرج من الجيش منذ عام 1964 .

وقال المجند السابق: "تم استدعائي في يوم الخامس من أكتوبر 1973، ضمن أعضاء الفرقة التاسعة عشر، وعرفت بالحرب من نقيب يدعى أحمد أباظة، قالي افتكر أي واحد هيموت من زمايلك معاك بكرة، سألته دة بجد ولا زي كل مرة، قالي لا بكرة إن شاء الله هانخلص فعرفت إننا هنحارب بكرة، وفي صباح السادس من أكتوبر لم تظهر على المجندين أي بوادر تشير إلى الحرب، وكان بعض الجنود في حالة لهو أو نوم، ولم أكن أعلم أنه تمويه لتشتيت أفكار العدو".

واستكمل عبدالحي حديثه: "السادات لم يأخذ حقه من وجهة نظري فقد كان رجلًا عبقريًا، وما فعله لم يكن يخطر في بال أي قائد جيش، حدد ساعة الصفر بناءًا على مواعيد المد والجزر لمياه القنال، وفي تمام الثانية إلا 10 دقائق عبرنا، وهي الفترة تتوقف فيها المياه تمامًا عن المد والجزر، حتى نتمكن من العبور بهدوء وسلاسة، وأجواء الحرب استمرت تقريبًا 4 أشهر أصيبت خلالها إصابات بسيطة شذايات وليست طلقات، ومن استشهدوا لم يكونوا بالعدد الكبير الذي يذكر ولله الحمد".
 
وأضاف عبدالحي: "تعيين الفرد الواحد كان يتم توزيعه على 3 أفراد وكنا نأكل الأعشاب أحيانًا من قلة الموارد وضعف الإمدادات، وكنا نصطاد الأسماك من البحر ونقوم بشويها، وخلال صيدها يقوم أحدنا بتغطية زميله عندما ينزل إلى المياه حتى لا يقوم العدو باغتياله، وفي مرة قمنا باصطياد سمكة تزن ما يعادل 35 كيلوغرامًا، كان حدثًا أشبه بالحدث الجلل في ظل أجواء نقص الموارد آن ذاك، واستمرينا في أكلها لمدة 6 أيام".

وصمت عبدالحب لبرهة من الزمن ثم عاد لحديثه قائلًا: "من اللحظات التي لا أنساها عندما قامت الكتيبة بتحطيم طائرة للعدو الإسرائيلي كان تسير منفردة خارج السرب، وعلى ما أعتقد أنه كان طيارًا محترفًا لأنه كان يشكل خطورة كبيرة على المعسكر كان يتوافد بشكل دوري وكان ذكيًا لدرجة أن الردارات الخاصة بنا لم تكن تلتقطه، كما أننا قمنا بضرب دبابتين لنا عن طريق الخطأ، لم يرفعوا الراية البيضاء، أو يمكثوا فوهة المدفع للخلف ".

وأردف عبدالحي: "لم أتعامل مع الأسرى الإسرائليين لأنني كنت ضمن النسق الأول، كنا بندعي زي البابور الظلط اللي بنلاقيه بنشيله، أما النسق الثاني والثالث هم من تعاملوا مع الأسرى بشكل مباشر، وأنا كنت في السلاح الرئيسي، كنا عندما نعبر ثغرة أتصدر أنا بالرشاش الآلي لأفسح الطريق لباقي الجنود".

ومن ثم صمت للحظات وقال عبدالحي، بعينين دامعتين "لم أبكي خلال فترة الحرب سوى على أحد أصدقائي استشهد أمام عيني خلال هجوم لقوات الاحتلال على معسكرنا الخاص، قامت قوات الطيران الخاصة بالعدو بمداهمتنا، في تلك الأثناء كنت نائمًا أسفل سيارة محملة بالذخيرة، نطقت الشهادة لأنني كنت شبه متأكد أنني ميت، لأنه في حال لو أصيب السيارة ستنفجر وانفجر معها، قام العدو بتفجير جميع السيارات في المعسكر ما عدا ثلاثة سيارات أحدهم التي كنت نائمًا تحتها ".

وبشأن رأيه في العمل تحت قيادة الفريق سعد الدين الشاذلي، أجاب عبدالحي: "لقد كان قائدًا ممتازًا ولكن إحقاقًا للحق، واقعة "الدفرسوار" المعروفة بـ"الثغرة" كان سببًا رئيسيًا فيها، لأنه هو من أمر بفتح الثغرة أمام العدو ثم دخلت المعدات الإسرائيلية وظلت تضرب النيران علينا ونحن نرد من داخل الدشمة لمدة أربعة أيام حتى انتهى ما بحوزتنا من ذخيرة، وبدأت فترة حصارنا بمنطقة "الدفرسوار" ، وفي تلك الفترة  كان طعامنا رغيف واحد يوميًا طوال فترة الحصار"، أما عن رضاه عن اتفاقية كامب ديفيد من عدمها، قال: "أنا أثق تمام الثقة في السادات، ولطالما كان قراره فمؤكد أنه كان القرار الصحيح".