القاهرة ـ سهام أحمد
تضم منطقة "شق التعبان" التي تقع على مساحة 400 فدان في قلب الجبل، أكثر من 500 مصنع، و1000 ورشة، و2000 معرض، وتحولت خلال ثلاثة عقود إلى أكبر ثالث منطقة صناعية على مستوى العالم في إنتاج الرخام والغرانيت والحجارة بجميع أنواعها، ويتم تصدير منتجاتها إلى الخارج لدول مثل ألمانيا وليبيا.
وتتميز صناعة الحجر الفرعوني وأحجار الديكور تبدو شكليًا سهلة، لكنها صعبة في مراحلها، إذ تجد ترسًا يدور بسرعة هائلة تتجاوز 170 ألف لفة في الدقيقة، وموتور كهربائي يحمل حجرًا يزن أكثر من مائتي كيلو غرام يدور أعلى رأس عامل لا يملك شيئًا بيده، ولا يدري ماذا سيحدث له إذا جاء إصبعه تحت الترس أو الحجر، فيقول العامل بصوت راضٍ، "الساتر هو الله"، فنحن نرضى ونعمل في ظروف صعبة ولساعات طويلة، لكن الأجر يكفينا، وهو ما يجعلنا نتحمل مشقة العمل".
وقال مجدي فيشر، صاحب إحدى ورش البازلت في منطقة شق التعبان، "نقوم بشراء الكتل الكبيرة من الجبل ثم نقوم بتقطيعها عبر ماكينة للتنظيف، اسمها "مترو خمسة" تستخدم المياه في التقطيع حتى لا تحدث أتربة وغبارًا، وتدور 170 ألف لفة في الدقيقة الواحدة، وقد أصبت في تقطيع الحجر الجيري، مع عدم استخدام القفاز أو الكمامة لأنه يعوق حركتي خلال العمل. وأضاف فيشر أعمل بهذه المهنة 50 سنوات، لمدة 12 ساعة يوميًا، والورشة تنتج البازلت الناعم الذي يباع بالمتر، والخشن الذي يباع بالطريحة.
وتابع محمد جمال ، 32 سنة، عامل في ورشة لصناعة "المايكا": نشتري حجر المايكا من الجبل الأحمر، فكل نوع من أنواع الحجر يأتي من جبل معين، فـ"المايكا" أغلى ثمنًا من الظلط، فالألوان التي توجد بالمايكا طبيعية وليست صبغة صناعية.
أما الحاجة زينب، صاحبة معرض، فقال إن الأحجار المختلفة تأتى من عدة مناطق منها السويس والمقطم وحلوان، فمتر الرخام يتراوح ما بين 40 إلى 45 جنيهًا، فنحن نقطع الرخام عبر المياه لتفادي الغبار، وبذلك فإن الصناعة لم تؤثر على الصحة، لكنها مرهقة لثقل وزن الحجر المصنع، وما يتبقى من "كسر" الرخام نستخدمه في رسم الأشكال الزخرفية.
وأضافت نستورد بعض الأحجار من الخارج من دول مثل البرازيل، وتدخل عبر الجمارك ككتل كبيرة تزن 40 طنًا، حتى تصل إلى منطقة شق الثعبان، التي تقوم بتقسيم الكتلة الكبيرة إلى أجزاء، كل جزء يزن طنًا أو أكثر، لتقوم الورش بشرائه لتصنيعه وتبيعه إلى الزبائن والمنازل. وقال جمال المنياوى، 40 سنة، صاحب ورشة: حجر المايكا يأتي من البحر الأحمر ونحن نقوم بالتأمين على العمال، فقد يتعرض أحدهم لبتر إصبعه في العمل والكثير منهم تعرضوا لإصابات نتيجة حدة أطراف الحجر.
وهناك ما يسمى "رخام لوط" عبارة عن بواقي تصدير تأتي من مدينة بدر وشق الثعبان، ويتوقف السعر بحسب حجم الحجر ونوعه، فنقوم بشراء الطن إجماليًا ليكون أرخص سعرًا من شراء المتر كل على حدة، وأشار المنياوي إلى أن المراحل التي يمر بها الحجر هي التقطيع والتفليق ثم تقطيعه لأجزاء صغيرة وتعبئته في الكراتين ثم مرحلة المنشار، ويتم لصقه على شبك وبراويز.
وأوضح المنياوي أن السوق لم تصبح على حالها، فالإقبال أصبح ضعيفًا بسبب الرقابة والتشديد على ترخيص المباني، خاصة في العشوائيات التي أصبحت العقارات بمثابة سوق صعبة، وازدياد قرارات الإزالة بشكل واضح في كل المحافظات. وأصبحت التراخيص قائمة على أراضي الحكومة فقط والمدن الجديدة كمدينة الشروق و15 مايو، التي تحصل على تراخيص البناء بشكل قوي، وهذا ما أثر بشكل كبير على الإقبال على سوق الحجر الفرعوني والأحجار الديكورية.
وتابع المنياوي، المنطقة تضم أكثر من 10 آلاف عامل في الورش، كلها بيوميات تتراوح بين 10 إلى 100 جنيه، على حسب نوعية الصنايعي، ونقوم الآن بتحويل الورشة إلى مصنع ونطالب الدولة بتخصيص أرض لنا في الصحراء خلال شهرين لتجهيزها، وهناك قطار للبضائع يمر داخل هذه المنطقة السكنية من محافظات مصر، ويدخل للعباسية ومنطقة الإمام ويطلق صفارته لينذرنا بقدومه حتى نفسح له الطريق، ليمر وينقل بضاعته من الطريق.
وعمالة الأطفال منتشرة في الورش خلال تجولنا داخل مصانع وورش ومعارض شق التعبان، لاحظنا وجود عدد كبير من الأطفال العاملين تحت سن الثانية عشرة، بعضهم يهرب من المدارس، ويلجأ إلى هناك للعمل، والبعض الآخر ينضم إليهم بعد انتهاء العام الدراسي لمساعدة أهله، وهؤلاء تصل نسبتهم خلال فترات الدراسة إلى نحو 55% من إجمالي العاملين، بينما تتراجع قليلا في الأيام العادية، لتصل إلى 40%، وهو ما يتعارض مع ما جاء في بنود اتفاقية حقوق الطفل التي صدقت مصر عليها خلال عام 1989، والتي تسمح بعمالة الأطفال في سن 14 وحتى 18 سنة، وحظرت عملهم في المحاجر، لأنها تشهد أعمالا ذات خطورة بالغة على حياتهم، وبالتالي فإنهم يتعرضون للأخطار والإصابات البالغة، التي تبدأ بأمراض الصدر وارتجاج في المخ وحساسية الجلد "التينيا".