المواصلات في مصر

برزت ظاهرة لافتة بوضوح مع ارتفاع أسعار المحروقات في مصر عقب رفع الدعم عليه أخيرًا من الحكومة المصرية أكثر من مرة، تتمثل الظاهرة في ظهور "فئة جديدة" من مرتادي أتوبيسات النقل العام الحكومية "متواضعة المستوى"، فبحسب تأكيدات من مسؤولين عن هيئة النقل وشهود عيان، قد اضطر منتمون إلى الطبقة "فوق المتوسطة" إلى أن يفروا للأتوبيسات هربًا من جنون أسعار المحروقات.

يقول عاطف محمود سائق بأحد خطوط النقل العام لـ"مصر اليوم": بالفعل زاد عدد مرتادي أتوبيسات النقل العام المدعمة في كافة أرجاء القاهرة، وهي ملاحظة ليست لحالة فردية أو استثنائية، وإنما هي تأكيدات الكثير من زملائنا العاملين في هيئة النقل العام، الكل يؤكد أن شرائح جديدة انضمت لجموع المقبلين على المواصلات العامة، ولم تكن معتاد رؤيتها في السابق، فمع ارتفاع أجرة بعض العربات الخاصة إلى "خمسة جنيهات" مقابل "جنيهين" فقط للنقل العام، فإن الأخير يكسب زبائن جديدة يوميا، بينما يشكو أصحاب النقل الخاص من ذلك، ويطالبون بزيادة أسعار النقل الحكومي لعدم مضاعفة خسائرهم.

ويضيف: "أصبحنا نميز بوضوح أبناء الطبقة "فوق المتوسطة"، وأحيانا تدفعنا الزحام إلى فتح محادثات عابرة معهم، ويتبين لنا أنهم أطباء وصحافيين ومهندسين، وأن بعضهم لديه سيارات حديثة، ولكنهم يقولون لنا أنهم للمرة الأولى لايستطيعون تدبير نفقات وأموال البنزين بعد رفع الدعم عنه، ويضيفوا: لم يكن في أسوأ تخيلاتهم أن يكون لديهم سيارات يتركونها بلافائدة في مكانها يلحقوا بـ"الأتوبيس العادي"، ليشدد السائق: هي ظاهرة تحتاج إلى دراسات جادة".

أحمد خيرالله مسؤول في أحد مواقف النقل العام في ميدان الجيزة يقول لـ"مصر اليوم": بكل أسف ليس لدينا تصنيف رسمي لنوعية الركاب وهل زاد عددهم في شهور الغلاء الأخيرة من عدمه، ولكن نتأكد حد اليقين أن هناك نوعية جديدة على "أتوبيسات النقل العام" لم تكن موجودة من قبل، ويطغى ظهورها في خطوط النقل العام الطويلة، أي التي تستهلك فيها السيارات الخاصة مسافات طويلة للغاية.

وأوضح خيرالله الذي يمتلك سيارة ملاكي: يزيد الاعتماد على خطوط كالتي تتحرك من وسط البلد إلى مناطق أكتوبر أو التجمع الخامس، أي أن المسافة الكلية في اليوم الواحد حوالي 50 كيلو، بما يعني أنك ستحتاج إلى ثلاثة الآف جنيه لتكفي وقود شهر من المواظبة على الأعمال فقط، بدون الخروج للتنزه أو زيارات الطبيب.

واختتم: نعم أصبحنا نرى أشخاص في كامل أناقتهم ببدل رسمية يصعدون درج الأتوبيس، ويجبرون على الدخول في الزحام الشديد، وأحيانا يهرولون خلف الأتوبيس وقد لايستطيعون اللحاق به، ويكون ذلك بدون قصد من السائق، والذي يفوت عليهم لتوه توصيلة شبه مجانية، فإجمالي ماسيدفعه هذا الشخص 120 جنيه لو ذهب كل أيام الشهر للعمل، مقارنة بثلاثة آلاف جنيه حال اعتمد على سيارته الخاصة.

ويؤكد أحمد حسام مهندس حديث الزواج: خضت حربًا شرسة من أجل توفيق دفعة مقدمة لسيارة لم يكن الهدف منها الرفاهية، ولكن حفظ الحد الأدنى من الكرامة لزوجتي أثناء الذهاب لزيارات الطبيب، الذي تبعد عيادته عن المنزل كثيرا، ويتطلب الوصول إليها حوالي الساعة وربع في المواصلات العامة، وبعدما قمت ببيع شبكة الزواج ودفعت مقدم للسيارة، لم أعد أستطيع سداد أقساطها الشهرية التي تبلغ 2700 جنية شهريًا، والأدهي أنني أتركها بالأيام أسفل المنزل، لأنها خالية من الوقود، الذي أرتفعت أسعاره للغاية.

بسؤال وكيل لجنة النقل محمد عبدالله زين عن لجوء الكثير من أبناء الطبقة المتوسطة وما فوقها إلى "النقل العام"، قال إن الظروف الإقتصادية الحالية التي تمر على البلاد "صعبة" على الجميع، ممدحًا قدرة المصريين على مسايرة أمورهم، وإيجاد الحلول البديلة دائما.

وتابع النائب: في الكثير من الدول الأوربية تجد المواطنين وقد تصل مراتبهم الوظيفية إلي "وزير" ويلجؤون للحلول البسيطة في التنقل، ويحققون بذلك عدد من الاستفادات إلى جانب ترشيد الإنفاق، منها الحد من الزحام والتلوث، مبديًا آمانيه أن تستقر الأمور للشعب المصري، وأن يشعر الجميع بتحسن ملموس خلال الأيام المقبلة، مؤكدًا: ضرب الشعب أروع الأمثلة في الصبر، ولابد أن يتم مكافئته ذات يوم.